فوكو ودراسة الدين*

جيريمي كاريت**

ترجمة: ياسين اليحياوي***

doi:10.17879/mjiphs-2022-3906

هذه المقالة هي فصل من الكتاب الذي حرره ريتشارد كينغ Richard King بعنوان الدين والنظرية والنقد: المقاربات والمناهج الكلاسيكية والمعاصرة. يُعد الكتاب الصادر عام 2017 دليلا أساسيّة لعموم المُتخصين في الدراسات الدينيّة، إذ تتفاعل فصوله مع المُستجدات في العلوم الاجتماعيّة، لاسيما في حقل الدرسات الثقافية والدراسات مابعد الكولونيالية، إذ تُؤكد على العلاقة الدينامية بين الدين كموضوع للدراسة والمقاربات المتبعة. داخل هذا السياق يندرج فصل جيريمي كاريت Jeremy Carrette، الذي يحمل عنوان «فوكو ودراسة الدين»، حيث يعرض للأثر الذي تركته الأعمال النقدية لميشيل فوكو في تطوير حقل الدراسات الدينيّة، منذ السبعينيات إلى الآن، سواء تعلّق الأمر بمقاربته الفلسفيّة -ما بعد البنوية- أو في اعتماده لمنهج تاريخيّ يستند في جُزء كبير منه على التقليد الذي رسَّخته مدرسة الحوليات الفرنسية. لم يكن من السهل توطين مقاربة فوكو باعتبارها -أولًا وقبل كل شيء- «تفكيرٌ في اللامفكر فيه» داخل حقل الدراسات الدينيّة أو الدراسات اللاهوتية؛ إذ تنزع حجاب البراءة عن التقاليد الدينيّة لتكشف عن مُختلفة علاقات القوة داخل أنظمتها التأديبية والعقابية وعن شبكات معقدة من السلطة. ولعل الأهم في عمل كاريت، أنَّه من خلال دراسة الكتابات الأخيرة لفوكو، التي نُشر جُزء كبير منها بعد وفاته، قد سمح لنا بأنْ ننظر لموضوع دراسته «فوكو ودراسة الدين» من منظور جديد، ليس من مُنطلق التطور التاريخيّ لفكر فوكو والتغيرات التي طرأت على أدواته التحليلة فحسب، بل أيضا كيفية استجاب فوكو للإشكاليات التي أفرزتها كتاباته السابقة وتعامله مع إشكالية اللحظة الراهنة.

كلمات مفتاحية: الدراسات الدينيّة؛ ميشيل فوكو؛ السلطة؛ الدراسات الثقافية؛ مابعد الكولونيالية

ملخص:

* العنوان الأصلي للمقالة:

Jeremy Carrette, “Foucault and the Study of Religion”, in: Richard King (ed.), Religion, Theory, Critique: Classic and Contemporary Approaches and Methodologies (New York Chichester, West Sussex: Columbia University Press, 2017), p. 487-496.

** جيريمي كاريت Jeremy Carrette أستاذ الفلسفة والدين والثقافة بجامعة كنت University of Kent، في المملكة المتحدة.

*** باحث بالمعهد العالي للدراسات الإسلاميّة Zentrum für Islamische Theologie بجامعة مونستر، ألمانيا.

Foucault and the Study of Religion

Jeremy Carrette*

Yassine Yahyaoui**

This article is a chapter of the book entitled Religion, Theory, Critique: Classic and Contemporary Approaches and Methodologies edited by Richard King. The book, published in 2017, is considered an essential guide for all scholars of religious studies, as its chapters interact with new theories in the social sciences, especially in the field of cultural and post-colonial studies, emphasizing the dynamic relationship between religions as a subject of study and the approaches applied. It is within this context that Jeremy Carrette’s chapter, entitled “Foucault and the Study of Religion”, can be placed. As it presents the impact of Michel Foucault’s work on the development of the field of religious studies, whether it is related to his philosophical approach -post-structuralism-, or his use of a historical method based in large part on the tradition established by the Annales school. It was not easy to localize Foucault’s approach in the field of religious and theological studies, as it is “Thinking the Unthinkable”, which leads to the lifting of the veil of innocence from religious traditions to reveal the various power relations within their disciplinary and punitive systems. By examining Foucault’s recent writings, Carrette’s work has allowed us to look at the subject of his study from a new perspective, not only from the perspective of the historical development of Foucault’s thought and the changes that occurred in his analytical tools, but also how Foucault responded to the problems arising from his previous writings and dealing with the current problem of his time.

Keywords: Religious studies; Michel Foucault; Power; Cultural Studies; Postcolonialism

Abstract:

* Professor of Philosophy, Religion and Culture at the University of Kent, United Kingdom.

** Researcher at Centre for Islamic Theology at Münster University, Germany.

شغل فوكو (1926-1984) كُرسي تاريخ أنظمة الفكر في كوليج دو فرانس Collège de France من عام 1970 حتى وفاته المفاجئة بسبب الإيدز. كما شغل قبل ذلك مناصب أكاديمية مُختلفة في أوروبا وشمال إفريقيا. وقد لفت انتباه المُهتمين منذ الستينيات، وذلك خلال موجة التفكير البنيوي وما بعد البنيوي في باريس، لاسيما في كتابه الكلمات والأشياء les mots et les choses 1، الصادر عام 1966. يُمكن فهم فوكو بشكل أفضل، ليس من خلال الفكرة المبهمة لما بعد الحداثة، بل بالأحرى من خلال وضعه في السياق الباريسي لما بعد البنيوية، الذي يُغطي الموقع التاريخيّ لفكره وخصوصياته في الحياة الفكرية الفرنسية وتأكيداته المعياريّة، التي تقاوم اختزال فكر فوكو إلى نقد نسبي بسيط. ومن المهم الإشارة إلى أنَّ فوكو رفض أن يوصف عمله بأنه ما بعد بنيوي أو ما بعد حداثي2. لقد أكد فوكو في مقابلة أجريتْ معه عام 1984 بأنه قد نُظِر إليه بطرق مختلفة من قبل العديد من الأشخاص، حيث يقول: «أعتقد أنني كنت موجودًا في معظم الساحات على رقعة الشطرنج السياسيّة، واحدة تلو الأخرى وأحيانًا في وقت واحد… لا شيء من هذه الأوصاف مهم بحد ذاته؛ لكن من ناحية أخرى، فإنَّها تعني شيئا ما عندما تكون مجتمعة. ويجب أن أعترف أنني أحب ما يقصدونه»3. لقد استمتع فوكو بموقفه الصامت والغامض، وهو موقفٌ رفض من خلاله التصنيف البسيطة وأسَّس تفكيرًا استراتيجيًّا وسياقيًّا.

ثلاث موجات في التعامل مع فوكو

يُعدُّ فوكو مصدرًا رئيسًا ومركزيًّا في حقل الدراسات الدينيّة. رافق التعامل مع فكره في حقل الدين مختلف الموجات الثلاثة التي حاولتْ تفسير المُنجز الفكري لفوكو وترجمته4. تميَّزت المرحلة الأولى من الاشتباك (أواخر السبعينيات إلى أواخر الثمانينيات) بالقبول الأول لأفكار فوكو خارج فرنسا. على الرغم من أن هذا التأثير شمل بشكل أساسيّ مجالات الدراسات الفرنسية والفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع والنظرية السياسيّة، فقد ظهرتْ بعض المُحاولات لموضعة فوكو داخل الدراسات الدينيّة. على سبيل المثال، استعرض ديفيد شيدسترDavid Chidester الأدوات النظرية المركزية لفكر فوكو، مُوضحًا إمكانية استخدامها لإعادة التشكيل النظري لدراسة الدين، كما أظهرت دراسات أخرى القيمة النقدية لفكره في المسيحية المبكرة والجنسانية5.

تشكَّلتْ الموجة الثانية من الدراسات (أواخر الثمانينيات إلى أوائل عام 2000) من خلال التفاعل مع وفاة فوكو عام 1984 ونشر المجموعة النهائية من مقالاته ومقابلاته Dits et écrits عام 1994 6. شهدت هذه المرحلة تطبيقًا أقوى وأكثر تعقيدًا لأفكاره، مع تقدير تاريخيّ أعمق لمُنجزه المعرفي عبر جميع الحقول الدراسية. في تلك الفترة، نُشرتْ العديد من الدراسات حول فوكو في مُختلف العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة. لقد استطاع الحقل متعدد التخصصات في الدراسات الدينيّة أن يستفيد بشكل كبير من المنهج الجينيالوجي لفوكو، مدعومًا بالنظرية النسوية والدراسات الثقافية ونظرية الاختلاف الجنسي Queer Theory 7. لقد جرى استخدام أعمال فوكو لقراءة التاريخ والأفكار الدينيّة، لاسيما إعادة التفكير النقدي في المفاهيم الأساسيّة مثل الباطنية الروحانية والدين والسلطة والجنس8.

في الموجة الثانية، كان هناك أيضًا تقدير نصي أعمق لفوكو، مستوحى من كتابه
Dits et écrits. وقد ميَّز ذلك بين فئتين من الباحثين، سعتْ الأولى عبر دراسة نصوص فوكو إلى الكشف عن اشتباكها مع الأفكار الدينيّة واللاهوتية -من خلال الرجوع إلى السياق الكاثوليكي في فرنسا وتعامل فوكو مع المسيحية والأفكار الدينيّة-، أما الثانية فقد استخدمت مقاربة فوكو دون اهتمام أساسيّ بسياق نصوصه؛ ومع ذلك، كان هناك بعض التقاطع بين هاتين الفئتين9.

أمَّا المرحلة الثالثة فقد تشكَّلتْ من خلال استقبال مُحاضرات فوكو في كوليج دو فرانس، التي نُشرتْ بدايةً من أوائل عام 2000 إلى الآن. شهدتْ هذه المرحلة تقديرًا متزايدًا لـ«فوكو الأخير»، وتقديرًا نقديًّا لاستخدامه مفهوم «الروحانية»، وأيضا تقديرًا أكثر وضوحًا للأعمال التي حاولتْ تطوير نظرية فوكو10. خلال هذه الموجة، أصبحتْ مقاربة فوكو أكثر توطيدًا داخل حقل الدراسات الدينيّة مقارنة بالموجة الأولى، كما جرى وضع عمله جنبًا إلى جنب مع الأساليب النقدية الأخرى، من قبيل نظرية ما بعد الكولونيالية والنظرية الجندرية، إضافة إلى تحديد مكانته بشكل أقوى وأكثر فاعلية في مجال المناهج ما بعد البنيوية بجوار كل من دريدا Derrida ولاكان Lacan 11. أثناء هذه المرحلة، نمى الصراع بشكل مُتزايد بين المُتخصصين في نصوص فوكو والباحثين الذي حاولوا تطوير نظريته، وهو ما أشار إليه كلير أوفاريل Clare O’Farrell قائلًا: «هناك فوكو أسطوري غالبًا ما يحمل القليل من التشابه مع فوكو الذي يظهر في كتاباته الخاصة. توجد الآن كتب كاملة تدعي أنها عن فوكو، لكن عوضًا عن الإحالة على أعماله، فإنَّها تُركز على ما قاله الآخرون عنه»12.

لقد أثبتت كل مرحلة من مراحل الاشتباك مع فكر فوكو أنه عنصر مركزي في موجة النقد مابعد الفينومينولوجي للدراسات الدينيّة13. وسيكون من المُهم أن ننظر بإمعان في منهج فوكو النقدي، لكي نُقدِّر بشكل كامل عمله والكيفية التي استطاع من خلالها نقل الدراسات الدينيّة إلى ما هو أبعد من التفكير الفينومينولوجي.

التفكير بطريقة مختلف

«أود أن تكون مؤلفاتي عبارة عن عدة عمل boîte à outil، متاحة لمن يُريد أن يبحث فيها عن أداة، يُـمكنه من خلالها فعل ما يراه مناسبًا في مجال تخصصه»14.

يمنح فوكو للدراسات الدينيّة مجموعة من الأدوات النقدية التي تنبثق من منهجه التاريخيّ-الفلسفيّ. إنَّه يأخذ دراسة الدين إلى الأسئلة المركزية حول امتلاك الحقيقة ونظرية المعرفة، كما تضع أعماله موضع تساؤل تلك الافتراضات المُعطاة عن المعرفة وتمثُّل العالم، وتكشف عن الكيفية التي تُشكل بها القوى الاجتماعيّة والتاريخيّة أنماطًا مختلفةً من المعرفة. وكما أعلن في نهاية حياته المهنية، فإنَّ كل دراسة من شأنها أن «تُغيِّر بشكل عميق من شروط التفكير» حول القضية المُثارة15. لقد كان التحدي الحقيق لفوكو يتمثل في «التفكير بطريقة مُغايرة»16. يُمكن القول هنا، استنادًا إلى منظوره لطبيعة الحياة الفلسفيّة باعتبارها «تحولًا» أي ممارسة أخلاقية-سياسيّة روحية جديدة، فإنَّ فكر فوكو كان عبارة عن عملٍ Act يسعى إلى التحول17. كان التحول ضروريًا لأن علاقات السلطة التي تُشكِّل موضوع المعرفة يُـمكن استبدالها بما جرى رفضه أو إخفاؤه سابقًا.

لقد صِيغتْ أعمال فوكو بمناهج تسمح للباحثين برؤية ما لا يُرى في حقل معرفي أو في سياق اجتماعيّ أو سياسيّ. إنَّ جميع هذه الأعمال، التي تقع بين التاريخ والفلسفة، تكشف عن مشكلات المعرفة في الظروف التاريخيّة18. لقد سبر فوكو القضايا التاريخيّة بُغية تقديم تعليق سياسيّ حول المشاكل المُعاصرة. ولعلَّ أفضل وصف لأعماله، كما ذكر في كتابه المعاقبة والمراقبة (1975)، هي أنَّها «تاريخ الحاضر»19. يمكن في هذا الصدد تحديد مكانة فوكو باعتباره مصدرًا أو أداة للمعرفة النقدية في دراسة الدين من خلال تقديم ملخص موجز لمنهجيته النقدية أثناء انتقالها من الأركيولوجيا إلى الجينيالوجيا والأشكلة20.

النقد الأركيولوجي

«نُريد، بإيجاز، أن نستغني عنالأشياء”، وأنننزع عنها ما هو سابق على العلم”، وأن نطرد امتلاءها الخصب والكثيف والمباشر، الذي تعودنا أن ننظر إليه على أنه في الأصل خطاب لا يزول أو ينفصل عنها إلا نتيجة خطأ أو نسيان أو وهم أو غفلة أو جمود على المعتقدات والتقاليد، أو برغبة، قد تكون شعورية، في عدم الرؤية وعدم الكلام»21.

إنَّ أفضل مكانٍ يُـمكن أن نُـموضِع فيه فوكو، هو داخل تقليد المدرسة التاريخيّة الفرنسيّة التي ترى أنَّ المعرفة تحددها تاريخيًّا أنماط الفكر على المدى الطويل، وأيضا داخل تقليد النقد الفلسفيّ الذي وضع حدود المعرفة موضع تساؤل، وهو خط تفكير يشتبك مع كل من كانط ونيتشه22. لقد سعى من خلال أعماله الأركيولوجية -تاريخ الجنون (1961)23؛ ولادة الطب السريري (1963)24؛ الكلمات والأشياء (1966)؛ أركيولوجيا المعرفة (1969)- إلى العثور على «اللاوعي الإيجابي للمعرفة»25. لقد تم تأطير جميع هذه الأعمال من خلال أسلوبه المميز في أخذ صور بيانية من التاريخ لالتقاط المُتخيل، ثم الكشف عن نصوص تقليد ما وممارساته، من خلال وصلها بأفكار مُختلفة كانت تبدو للوهلة الأولى غير ذات صلة.

يفتتح كتابه تاريخ الجنون بصورة «سفينة الحمقى» ويكشف عن عمليات إسكات الجنون وإضفاء الطابع المؤسسي عليه. ويبدأ تأريخه للطب السريري بإظهار كيفية تشكل النظرة الطبية من خلال الأشياء «المستقرة» للموت والجثة، وتقديم أركيولوجيا عن الإدراك الطبي. كما يبدأ كتابه الكلمات والأشياء (1966) باستكشاف نظرة الرسام دييجو فيلاسكيز في لوحة الوصيفات Las Meninas (1656). إنَّه يُميط اللثام عن أركيولوجيا العلوم الإنسانيّة، وعن تشكُّلها في الفكر الحديث من خلال مظهر «الإنسان». لقد أظهر كيفية تحول نظام المعرفة في «الفترة الكلاسيكية» (القرنان السادس عشر والسابع عشر) من الاعتماد على أنظمة التصنيف، مثل تحليل الثروة والتاريخ الطبيعي والقواعد العامة، إلى نظام معرفة مبني على أساس «الإنسان». إن التكوين الجديد للمعرفة حول فكرة «الإنسان» يجعل خطابات الاقتصاد (مفاهيم العمل)، والبيولوجيا (مفاهيم البنية العضوية للحياة)، وعلم اللغة (مفاهيم اللغة) ممكنة. ومع ذلك، يؤكد فوكو أنَّ نهاية الميتافيزيقا أسفرتْ عن تحول مفهوم «الإنسان» إلى مشكلة فلسفيّة جديدة. لقد كان الأمر من وِجهة نظره عبارة عن بناء تاريخيّ مؤقت سوف يختفي، كما أوضح ذلك في قوله: «أمر واحد مؤكد، هو أنَّ الإنسان ليس أقدم ولا أثبت إشكالية طرحتْ ذاتها على المعرفة الإنسانيّة»26.

ألَّف فوكو دراسته النظرية أركيولوجيا المعرفة، في محاولة لشرح منهجه التاريخيّ الخاص. كان هدفه هو التشكيك في الوحدات داخل المعرفة و«تلك التجميعات التي درجنا على تقبلها دون إعمال للفكر النقدي، ومراجعة تلك الروابط التي نُسلِّم، هكذا، بوجودها منذ البداية»27. وعوضًا عن الاهتمام بـ«الاستمرارية» فقد سلط الضوء على «انقطاع» المعرفة من خلال فحص شبكة المنطوقات الخطابية28 ضمن نظام الخطاب أو الحقل المعرفي. وِفق فوكو، فإنَّ كل خطاب هو تشكيل تاريخيّ، وتتجمع الخطابات لتُشكل «إبستيمًا» مُحددًا، باعتباره شبكة العلاقات التي تجعل من المُممكن قول شيء ما في وقت مُعين. بهذا المعنى، تشارك الدراسات الدينيّة في مهمة مُزدوجة، تتمثل في فهم القيم الكامنة وراء عمليات التمثل لموضوع الدراسة، والكيفية التي تحمل تقاليد وثقافات الدراسة أنظمة اجتماعيّة محددة ومصالح خفية. كان عمل فوكو مهتمًا بشكل خاص بـ «قواعد الاستبعاد» ضمن نظام ما، و«مبادئ للتصنيف والتنظيم والتوزيع»29. بعد أن توصل فوكو إلى هذه النتائج، لم يعد ممكنًا اعتبارُ الباحثين العاملين في مجال الدراسات الدينيّة منخرطين في مشروع محايد، إنهم بالأحرى عالقون داخل سياسة التصنيف والتمثيل. ليس من شأن ذلك أن يُقوِّض الحقل أو يختزله في النسبية، بل من شأنه أن يزيد وعي الباحثين لتوضيح القيم الكامنة وراء المناهج، ولفهم العمليات التاريخيّة التي يجري فيها حتما الكشف عن الأفكار والممارسات.

النقد الجينيالوجي

«أفترض أن إنتاج الخطاب في كل مُجتمع، هو في نفس الوقت إنتاج مُراقبٌ، ومُنتقى، ومُنظَّم، ومُعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التي يكون دورها هو الحد من سلطاته ومخطاره، والتحكم في حدوثه المُحتمل، وإخفاء ماديته الثقيلة والرهيبة»30.

توصل فوكو في أركويوجيا المعرفة إلى أنَّ «ما قبل المفاهيمي»، و«غير الخطابي» و«المنظومات غير الخطابية»، هي التي شكَّلتْ الخطاب31. عندما تبنى فوكو جينيالوجيا نيتشه بعد 1971، أدرك أنَّ هذه الأبعاد «غير الخطابية» كانت هي أنظمة السلطة-المعرفة للممارسات الممؤسسة32. وخلال هذه الفترة، لاسيما في السياق الفرنسي لما بعد 1968، طوَّر فوكو فكرة الخطاب كممارسة، رابطًا إياها بعملياتٍ أكثر تحديدًا داخل المجتمع. حيث بدأ يُدرك الكيفية التي تظهر فيها خطابات مُحددة ضمن السياقات المؤسسيّة كطرق لتنظيم الحياة وتشكيلها33. وقد أدى ذلك إلى تحول اهتمامه من علاقات المعنى إلى علاقات السلطة34. في هذه النقطة تحديدًا، يُـمكن رؤية التحول ما بعد الفينومينولوجي في الدراسات الدينيّة، حيث منطوقات الحقيقة وأشكال التمثل وأنواع المعنى تظهر جميعًا باعتبارها انعكاسات لنظام علاقات السلطة.

تُصبح منهجية فوكو الجينيالوجية أكثر وضوحًا في الأعمال التي نشرها منتصف السبعينيات، تحديدًا المراقبة والمعاقبة (1975)، والجزء الأول من ثلاثيته عن تاريخ الجنسانية (1976)35 الذي جاء بعنوان فرعي: «إرادة المعرفة»، وهو عنوان يُشير لفكرة فوكو عن الجينيالوجيا وصداها عند نيتشه. تسعى جينيالوجيا فوكو إلى دراسة أشكال الهيمنة والسلطة. إنَّها تبحث عن شكل من أشكال «الخطاب المضاد» من خلال فحص الحقيقة في علاقتها بالجسد. بالنسبة لفوكو «دائما ما يكون الجسد هو المُهم-الجسد وقواه وفائدتها وطواعيتها، وتوزيعها وخضوعها»36. إنَّ المعرفة هي سلطة، والجسد يكشف عن كيفية تجلي ذلك.

تتبع فوكو في كتابه المراقبة والمعاقبة الانتقال التاريخيّ في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من العقاب بالتعذيب إلى العقاب بالسجن والتأذيب. لقد سعى لتوضيح كيفية تحول أنماط الإخضاع والتحكم في الجسد من القوى الخارجية إلى عمليات الإخضاع الداخلية. كما أظهر أنَّ بناء تاريخ السجن تأسس على أشكال أخرى من الإخضاع في الأديرة وثكنات الجيش والمدارس. لم تكن السلطة في هذه السياقات مجرد قوة سلبيّة، بل كانت شيئًا يتم من خلاله بناء الأفراد. وقد أوضح ذلك فوكو عندما أكد أنَّ الخضوع للسلطة يخلق الذاتيّة أيضًا.

لم يكن اهتمام فوكو في دراسة السلطة مُنصبًا على معناها الهرمي أو القانوني، أي نموذج السلطة الذي يُطبق من أعلى إلى أسفل، بل ركَّز تحديدًا على السلطة باعتبارها «موجودة في كل مكان» و«تُـمارس انطلاقا من نقاط عديدة لا تُحصى»37. بالإمكان مُلاحظة ذلك في نقاش فوكو بشأن «السلطة الحيوية»: تنظيم السكان والسيطرة عليهم من خلال الجسد38. إنَّ السلطة شبكة معقدة من العلاقات داخل المُجتمع، التي تُشكل مُختلف عادات وممارسات الحياة ذاتها.

أظهر فوكو في المجلد الأول من كتابه تاريخ الجنسانية، كيف أن «الجنسانية» (وليس الجنس) كان خطاب سلطة. وكانت الجنسانية، كشكل من أشكال السلطة الحيوية، وسيلةً للسيطرة على السكان وتنظيمهم. يتتبع فوكو جذور هذه العمليّة في الممارسة الرهبانية للاعتراف، حيث يقول: «نصَّتْ الرعوية المسيحية كواجب أساسيّ على مهمة تمرير كل ما يتعلّق بالجنس عبر طاحونة الكلام التي لا نهاية لها»39. من خلال وضع الجنس في الخطاب40 يمكن السيطرة على الجسد. لقد جرى التحكم في الحياة، داخل المجتمعات الغربية، من خلال معرفة تقنية علمية بالجسد الجنسي، إنَّه علم الجنس scientia sexualis في العالم الحديث. ومن خلال ذلك جرى إنشاء الحدود بين الطبيعي والـمَرضي. وكما أوضح فوكو في دراسته عن الجنسانية: «يجب ألا يُنظر إلى الجنسانية على أنها مُعطى طبيعي تُحاول السلطة أن تضعه تحت سيطرتها، أو على أنها مجال غامض تُحاول المعرفة الكشف عنه تدريجيًا. إنَّه بالأحرى الاسم الذي يُـمكن أن يُطلق على البناء التاريخيّ»41.

كان فوكو خلال فترة منتصف السبعينيات مهتمًا للغاية بالممارسات المسيحية المتعلّقة بالسيطرة على الجسد وإخضاعه. حتى أنه أكمل مسودة مخطوط اعترافات الجسد Les aveux de la chair، ولكن بسبب اشتغاله على التقاليد اليونانيّة الرومانيّة42 لم يعرف هذا المخطوط طريقه للنشر43، على الرغم من ظهور أجزاء منه في محاضرات مختلفة44. خلال هذه الفترة كان فوكو شديد الاهتمام بالأنماط الدينيّة للذاتيّة، مما دفعه إلى توسيع اهتماماته خارج تركيزه الغربي المسيحي المعتاد. حيث كتب عن روح المقاومة خلال الثورة الإسلاميّة في إيران، وهي الكتابات التي أثارتْ الكثير من الجدل45. إضافة إلى استكشافه بوذية الزن اليابانية، مُعربًا عن شعوره بنهاية الإمبريالية الأوروبية. وكما أوضح في مقابلة أثناء إقامته في معبد زن ياباني: «إنَّ الفكر الأوروبي يجد نفسه عند نقطة تحول، وهي على نطاق تاريخيّ ليست سوى نهاية الإمبريالية. إنَّ أزمة الفكر الغربي مطابقة لنهاية الإمبريالية. لا يوجد فيلسوف يُـمكن عدُّه فيلسوف هذه الفترة، لأنَّها ببساطة نهاية عصر الفلسفة الغربية. وهكذا، إذا كانت فلسفة المستقبل موجودة، فيجب أن تولد خارج أوروبا أو أنْ تولد على قدم المساواة نتيجة اللقاءات والصدامات بين أوروبا والعالم خارج أوروبا»46.

الأشكلة: شروط الظهور

في عام 1983، وصف فوكو كتاباته بأنَّها عبارة عن «أشْكَلَة». تُحيل هذه الفكرة على منهجه في محاولة إظهار كيف ولماذا تتشكل القضايا في لحظات تاريخيّة معينة. وهذا يعني أيضًا تحولًا في تفكيره من قضية الهيمنة إلى الحكمانية والذات. خلال المحاضرات التي ألقاها فوكو في كوليج دو فرانس بداية من عام 1980 ، كان هناك تحول في الاهتمامات من حكم الجسد وتقنيات الهيمنة إلى الحكمانية الأخلاقية للذات أو ما أسماه «تقنيات الذات». يُظهر آخر منشورين لـفوكو هذا التغيير في منهجه نحو الأشكلة. وقد اعترف في وقت لاحق بأنه رغم عدم تطرُّقه بما فيه الكفاية لموضوع الأشكلة إلى أنَّها تنطبق على جميع أعماله47.

في عمله اللاحق المتأثر بفكر بيير هادو Pierre Hadot، حدَّد فوكو الظروف التي أدتْ إلى أشكلة الجنس والجسد في العالم القديم48. وفي كتابه استخدام الملذات، وهو الجزء الثاني من تاريخ الجنسانية، درس أخلاقيات اللذة في الكتابات اليونانيّة، من خلال تحديد قوانين التقشف تجاه الجسد (التغذية)، والزواج (الاقتصاد)، وحب الغلمان (الشهوة). وفي الجزء الثالث الذي جاء بعنوان رعاية الذات، درس مجموعة متنوعة من النصوص، تشمل كتابات أبيقور وسينيكا وبلوتارخ وماركوس وأوريليوس، من أجل فهم اللذة في فنون التكوين الذاتيّ49. كانت حُجته الأساسيّة أنَّ العديد من المواضيع الأخلاقية في العصر المسيحي تأسست في العصر اليونانيّ-الرومانيّ، إذ كانت الممارسات المسيحية امتدادًا أو تكثيفًا سابقًا لممارسات الذات، وهو أمر يمكن مُعاينته في محاضراته بداية من 1980 حول المعمودية المسيحية والاعتراف50.

لقد كان أحد أهداف فوكو في دراسته لـ «فنون الوجود» في العالم القديم، إظهار أنَّ الفلسفة في العصر الحديث فقدتْ الصلة بممارسات الذات أو ما أسماه «الروحانية». وعلى الرغم من أن تفكير فوكو مدين للإطار المسيحي، إلا أنَّ فكرته عن «الروحانية» لا يقصد بها بعض التجارب الحديثة وشبه الدينيّة؛ بل إنَّها تسعى بدلًا من ذلك إلى الكشف عن عمليّة «قبول الذات لنمط معين من الوجود وإلى التحولات التي يجب أن تقوم بها الذات من أجل تحقيق هذا النمط»51. وكما أشار إلى ذلك ماكغوشين McGushin، كان فوكو مهتمًا بالتزهد الفلسفيّ philosophical askesis، باعتباره «ممارسة للذات في النشاط الفكري»، التي تؤدي إلى التحول52. لقد سعى فوكو من خلال أعماله إلى استشكاف العلاقة بين الحقيقة وحكم الذات في العالم القديم كوسيلة لتقديم تحديات لمفهوم المعرفة والذات كما تأسس في العالم الحديث.

خلاصة: الدراسات الدينيّة بعد فوكو

لقد أدتْ الأعمال النقدية التي تركها فوكو إلى احتدام المناقشات المنهجية داخل حقل الدراسات الدينيّة. يُعدُّ عمله جزءًا من تحول نقدي وثقافي أوسع، شهد منذ الثمانينيات نهاية المناهج الفينومينولوجية وهيمنة العلوم الاجتماعيّة. وحتى عندما لا يُستدعى فوكو بشكل مباشر، فقد دُمج منهجه الفلسفيّ-التاريخيّ في العديد من جوانب الدراسات الدينيّة، كما أعاد تشكيل الدراسات النسوية والجندر والعرق ودراسات ما بعد الكولونيالية. إنَّ ما يُقدِّمه فوكو هو نهاية فكرة البراءة/ الحياد في تمثل المعرفة. وهو بذلك يُحوِّل مجال الدراسات الدينيّة من خلال توجيه موضوع الدراسة نحو مختلف الأنظمة التأديبية والأجهزة/ الأدوات الداعمة لها. ولا يُظهر عمله فقط كيفية قيام الدين بعمليّة التصنيف والترتيب فقط، بل يُوضِّح أيضا كيف تقع التقاليد الدينيّة نفسها داخل شبكات معقدة من السلطة. إذا كانت مقاربة فوكو دقيقة، فهذا يعني أنَّ أنظمة السلطة هذه ستكون أكثر وضوحًا حيثما وُجد ادعاء امتلاك الحقيقة، وحيثما تشكل الجسد عبر تقاليد اجتماعيّة وثقافية مختلفة. إنَّ الإطار النظري النقدي الذي طوَّره فوكو بما يتوفر عليه من مقاربة تاريخيّة-فلسفيّة، تُوفِّر فُرصًا عِدة لعودة الدراسات الدينيّة إلى أسسها باعتبارها دليلًا معرفيًّا Body of knowledge ومُمارسةً فكريّةً.

مراجع المقالة

Afary, Janet & Kevin Anderson. Foucault and the Iranian Revolution: Gender and the Seductions of Islamism. Chicago: University of Chicago Press, 2005.

Bernauer, James & Jeremy Carrette. Foucault and Theology: The Politics of Religious Experience. Aldershot, UK: Ashgate, 2004.

Bernauer, James. Michel Foucault’s Force of Flight: Towards an Ethics for Thought. London: Humanities, 1990.

Carrette, Jeremy. “‘Spiritual Gymnastics’: Reflections on Michel Foucault’s On the Government of the Living 1980 Collège de France lectures.” Foucault Studies. no. 20 (Dec 2015), p. 277-290.

________. “Religion and Post-Structuralism.” in: John Hinnells (ed.). The Routledge Companion to the Study of Religion. London: Routledge, 2009, p. 274-290.

________. “review of Michel Foucault, by Clare O’Farrell.” Foucault Studies. no. 4 (Feb 2007), p. 164-168.

________. “Rupture and Transformation: Foucault’s Concept of Spirituality Reconsidered.” Foucault Studies. no. 15 (Feb 2013), p. 52-71

________. Foucault and Religion: Spiritual Corporality and Political Spirituality. London: Routledge, 2000.

Chidester, David. “Michel Foucault and the Study of Religion.” Religious Studies Review. vol. 12, no. 1 (Jan 1986), p. 1-9

Clark, Elizabeth. “Foucault, the Fathers and Sex.” Journal of the American Academy of Religion. vol. 56, no. 4 (1988), p. 619-641.

Foucault, Michel. Discipline and Punish: The Birth of the Prison. Alan Sheridan (trans.). London: Penguin, 1975.

________. Dits et écrits: 1954–1988. Daniel Defert & François Ewald (ed.). 4 vols. Paris: Gallimard, 1994.

________. Histoire de la folie à l’âge classique. Paris: Plon, 1961.

________. Histoire de la sexualité. 4, Les aveux de la chair. Paris: Gallimard, 2018.

________. Language, Counter-Memory and Practice: Selected Essays and Interviews. D. F. Bouchard (ed.), D. F. Bouchard & Sherry Simon (trans.). New York: Cornell University Press, 1971.

________. Michel Foucault: Power/Knowledge. Colin Gordon (ed. & trans.). New York: Harvester Wheatsheaf, 1976.

________. On The Government of the Living: Lectures at the Collège de France, 1979–1980. Michel Senellart (ed.), Graham Burchell (trans.). New York: Palgrave Macmillan, 2014.

________. Politics Philosophy Culture: Interviews and Other Writings, 1977–1984. Lawrence D. Kritzman (ed.), Jeremy Harding (trans.). London: Routledge, 1983.

________. Religion and Culture. Jeremy Carrette (ed.). New York: Routledge, 1999.

________. Remarks on Marx. R. James Goldstein & James Cascaito (trans.). New York: Semiotext(e), 1978.

________. The Archaeology of Knowledge. A. M. Sheridan (trans.). London: Routledge, 1991.

________. The Archaeology of Knowledge. Rupert Swyer (trans.). New York: Pantheon, 1972.

________. The Birth of the Clinic: An Archaeology of Medical Perception. Alan Sheridan (trans.). London: Routledge, 1991.

________. The Care of the Self. Robert Hurley (trans.). London: Penguin, 1984.

________. The Final Foucault. James Bernauer & David Rasmussen (ed.). Cambridge, Mass.: MIT Press, 1988.

________. The Foucault Reader. Lydia Davies (trans.), in: Paul Rabinow (ed.). London: Penguin, 1984.

________. The Hermeneutics of the Subject: Lectures at the Collège de France, 1981–1982. Frédéric Gros (ed.), Graham Burchell (trans.). New York: Palgrave Macmillan, 2005.

________. The History of Sexuality: An Introduction. Robert Hurley (trans.). London: Penguin, 1976.

________. The Order of Things: An Archaeology of the Human Sciences. Alan Sheridan (trans.). London: Routledge, 1991.

________. The Uses of Pleasure. Robert Hurley (trans.). London: Penguin, 1984.

Hadot, Pierre. Philosophy as a Way of Life. A. I. Davidson (ed.). Oxford: Blackwell, 1995.

Jantzen, Grace. Becoming Divine: Towards a Feminist Philosophy of Religion. Manchester: Manchester University Press, 1998.

________. Foundations of Violence. London: Routledge, 2004.

________. Power, Gender and Christian Mysticism. Cambridge: Cambridge University Press, 1995.

King, Richard. Orientalism and Religion: Postcolonial Theory, India and “the Mystic East”. London: Routledge, 1999.

McCutcheon, Russell. Manufacturing Religion: The Discourse on Sui Generis Religion and the Politics of Nostalgia. Oxford: Oxford University Press, 1997.

McGushin, Edward. Foucault’s Askésis: An Introduction to the Philosophical Life. Evanston, Ill.: Northwestern University Press, 2006.

McSweeney, John. “Foucault and Theology.” Foucault Studies. no. 2 (May 2005), p. 117-144.

O’Farrell, Clare. Foucault: Historian or Philosopher?. London: Macmillan, 1989.

________. Michel Foucault. London: Sage, 2005.

Vintges, Karen & Dianna Taylor (eds.). Feminism and the Final Foucault. Chicago: University of Illinois Press, 2004.

مراجع الترجمة

بغورة، الزواوي. مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2000.

جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية: دراسات ومعجم نقدي. ترجمة أحمد الشامي. القاهرة: المشروع القوميّ للترجمة، 2002.

ريفال، جوديث. معجم ميشيل فوكو. ترجمة الزواوي بغورة. الكويت: دار صوفيا، 2018.

فوكو، مشيل. تاريخ الجنسانية. 3، الانشغال بالذات. ترجمة محمد هشام. الدارالبيضاء: أفريقيا الشرق، 2004.

________. الكلمات والأشياء. ترجمة مطاع صفدي وآخرون. القاهرة: مركز الإنماء القوميّ، 1990.

________. المراقبة والمعاقبة: ولادة السّجن. ترجمة علي مقلد. بيروت: مركز الإنماء القوميّ، 1990.

________. تاريخ الجنسانية. 1، إرادة العرفان. ترجمة محمد هشام. الدارالبيضاء: أفريقيا الشرق، 2004.

________. تاريخ الجنسانية. 2، استعمال المتع. ترجمة محمد هشام. الدارالبيضاء: أفريقيا الشرق، 2004.

________. تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي. ترجمة سعيد بنگراد. الدارالبيضاء: المركز الثقافي العربيّ، 2006.

________. تأويل الذات: دروس ألقيتْ فيالكوليج دو فرانسلسنة 1981-1982. ترجمة الزواوي بغورة. بيروت: دار الطليعة، 2011.

________. حفريات المعرفة. ترجمة سالم يفوت. ط 2. الدارالبيضاء: المركز الثقافي العربيّ، 1987.

________. نظام الخطاب. ترجمة محمد سبيلا. بيروت: دار التنوير، 2007.

________. ولادة الطب السريري. ترجمة إياس حسن. الدوحة: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2018.


1 ميشيل فوكو، الكلمات والأشياء، ترجمة مطاع صفدي وآخرون (القاهرة: مركز الإنماء القوميّ، 1990) [المترجم]؛

بالإضافة إلى العمل على ترجمة مقالة كاريت، فقد عمدتُ أيضا [المترجم] على توثيق نصوص فوكو في المقالة بالإحالة على الترجمات العربيّة الصادرة، سواء تعلّق الأمر بالإصدارات التي اشتغل على ترجمتها مشروع مركز الإنماء القوميّ مستعينا بمطاع صدفي وباحثين آخرين، أو بترجمات أخرى صدرتْ كعمل فردي لباحثين: سالم يفوت؛ سعيد بنگراد؛ محمد سبيلا؛ إياس حسن؛ علي مقلد؛ محمد هشام. على أنَّ هذا العمليّة في التوثيق بالعودة إلى الترجمة العربيّة، أسفرت في بعض الحالات عن ترجمات مُختلفة للمصطلح الواحد، وبُغية تفادي هذا التضارب الذي من شأنه التشويش على المقالة المُترجمة، فقد عمدتُ على توحيد المقابل العربيّ بما أراه أكثر صلة بالمُصطلح الفرنسي الذي اعتمده فوكو، مُستندًا في ذلك إلى المسرد المُصطلحي الذي قدمه الزواوي بغورة في ترجمته لكتاب معجم ميشيل فوكو (2018). كما أشير أيضا إلى إضافة بعض الإحالات على المقالة، عند الحاجة إلى ذلك، مع تذييلها بعبارة [المترجم] تمييزًا لها عن إحالات المقالة.

2 Michel Foucault, “Polemics, Politics and Problemizations: An Interview,” Lydia Davies (trans.), in: Paul Rabinow (ed.), The Foucault Reader (London: Penguin, 1984), p. 383.

3 Ibid., p. 383–84.

4 John McSweeney, “Foucault and Theology,” Foucault Studies, no. 2 (May 2005), p. 117-144; Jeremy Carrette, “review of Michel Foucault, by Clare O’Farrell,” Foucault Studies, no. 4 (Feb 2007), p. 164-168.

5 David Chidester, “Michel Foucault and the Study of Religion,” Religious Studies Review, vol. 12, no. 1 (Jan 1986), p. 1-9; Elizabeth A. Clark, “Foucault, the Fathers and Sex,” Journal of the American Academy of Religion, vol. 56, no. 4 (1988), p. 619-641.

6 Michel Foucault, Dits et écrits: 1954–1988, 4 vols., D. Defert & F. Ewald (eds.) (Paris: Gallimard, 1994).

7 عرف مصطلح Queer ترجمات مُختلفة عند نقله إلى اللغة العربيّة، فقد تُرجم إلى «الاختلاف الجنسي»، و«أحرار الجنس»، في حين فضَّلتْ بعض الترجمات الإبقاء على مصطلح «كوير» بالعربيّة. يرجع سبب هذا الاختلاف إلى حداثة المفهوم من جهة، ومن جهة أخرى إلى عدم تعريفه بشكل واضح في اللغة الإنجليزية، إذ يُعد: «كأداة لكسر المقابلة الثنائية بين الميل للجنس الآخر والميل لأفراد نفس الجنس... فكملة queer يُمكن تطبيقها على أي شخص أو تعديل دلالتها لإطلاقها على أي شخص لا يندرج بدقة ضمن الأشكال العادية للممارسات القائمة على الميل الجنسي إلى الجنس الآخر»، يُنظر سارة جامبل، النسوية وما بعد النسوية: دراسات ومعجم نقدي، ترجمة أحمد الشامي (القاهرة: المشروع القوميّ للترجمة، 2002)، ص 455-456. [المترجم].

8 Russell McCutcheon, Manufacturing Religion: The Discourse on Sui Generis Religion and the Politics of Nostalgia (Oxford: Oxford University Press, 1997); Richard King, Orientalism and Religion: Postcolonial Theory, India and “the Mystic East” (London: Routledge, 1999); Grace Jantzen, Power, Gender and Christian Mysticism (Cambridge: Cambridge University Press, 1995); Grace Jantzen, Becoming Divine: Towards a Feminist Philosophy of Religion (Manchester: Manchester University Press, 1998); Grace Jantzen, Foundations of Violence (London: Routledge, 2004).

9 James W. Bernauer, Michel Foucault’s Force of Flight: Towards an Ethics for Thought (London: Humanities, 1990); James W. Bernauer & Jeremy Carrette, Foucault and Theology: The Politics of Religious Experience (Aldershot, UK: Ashgate, 2004); Jeremy Carrette, Foucault and Religion: Spiritual Corporality and Political Spirituality (London: Routledge, 2000); Foucault, Religion and Culture, Jeremy Carrette (ed.) (New York: Routledge, 1999).

10 Edward F. McGushin, Foucault’s Askésis: An Introduction to the Philosophical Life (Evanston, Ill.: Northwestern University Press, 2006); Clare O’Farrell, Foucault: Historian or Philosopher? (London: Macmillan, 1989); Jeremy Carrette, “Rupture and Transformation: Foucault’s Concept of Spirituality Reconsidered,” Foucault Studies, no. 15 (Feb 2013), p. 52-71; Karen Vintges & Dianna Taylor (eds.), Feminism and the Final Foucault (Chicago: University of Illinois Press, 2004).

11 Jeremy Carrette, “Religion and Post-Structuralism,” in: John Hinnells (ed.), The Routledge Companion to the Study of Religion (London: Routledge, 2009), p. 274-290.

12 Clare O’Farrell, Michel Foucault (London: Sage, 2005), p. 9-10.

13 Carrette, “Religion and Post-Structuralism.”

14 Michel Foucault, «Des supplices aux cellules», in: Dits et Écrits (Paris: Gallimard, 1994), vol. 2, p. 523-24.

15 Michel Foucault, Remarks on Marx, R. James Goldstein & James Cascaito (trans.) (New York: Semiotext(e), 1978), p. 27.

16 Michel Foucault, The Uses of Pleasure, Robert Hurley (trans.) (London: Penguin, 1984), p. 9;

ميشيل فوكو، تاريخ الجنسانية. 2، استعمال المتع، ترجمة محمد هشام (الدارالبيضاء: أفريقيا الشرق، 2004)، ص 11.

17 Michel Foucault, The Hermeneutics of the Subject: Lectures at the Collège de France, 1981–1982, Frédéric Gros (ed.), Graham Burchell (trans.) (New York: Palgrave Macmillan, 2005);

ميشيل فوكو، تأويل الذات: دروس ألقيتْ في ’الكوليج دو فرانس’ لسنة 1981-1982، ترجمة الزواوي بغورة (بيروت: دار الطليعة، 2011).

18 cf. O’Farrell, Foucault: Historian or Philosopher?

19 Michel Foucault, Discipline and Punish: The Birth of the Prison, Alan Sheridan (trans.) (London: Penguin, 1975), p. 31;

ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة: ولادة السّجن، ترجمة علي مقلد (بيروت: مركز الإنماء القوميّ، 1990)، ص 68.

20 Michel Foucault, Histoire de la folie à l’âge classique (Paris: Plon, 1961); Michel Foucault, “Nietzsche, Genealogy, History,” in: Language, Counter-Memory and Practice: Selected Essays and Interviews, D. F. Bouchard (ed.), D. F. Bouchard & Sherry Simon (trans.) (New York: Cornell University Press, 1971), p. 139-164; Michel Foucault, “Critical Theory/Intellectual History,” in: Politics Philosophy Culture: Interviews and Other Writings, 1977–1984, Lawrence D. Kritzman (ed.), Jeremy Harding (trans.) (London: Routledge, 1983), p. 17-46.

21 Michel Foucault, The Archaeology of Knowledge, A. M. Sheridan (trans.) (London: Routledge, 1991), p. 47;

ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، ط 2 (الدارالبيضاء: المركز الثقافي العربيّ، 1987)، ص 46.

22 Michel Foucault, “What Is Enlightenment?,” Catherine Porter (trans.), in: The Foucault Reader, p. 43.

23 ميشيل فوكو، تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، ترجمة سعيد بنگراد (الدارالبيضاء: المركز الثقافي العربيّ، 2006) [المترجم].

24 Michel Foucault, The Birth of the Clinic: An Archaeology of Medical Perception, Alan Sheridan (trans.) (London: Routledge, 1991);

ميشيل فوكو، ولادة الطب السريري، ترجمة إياس حسن (الدوحة: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2018).

25 Michel Foucault, The Order of Things: An Archaeology of the Human Sciences, Alan Sheridan (trans.) (London: Routledge, 1991), p. xi;

[المترجم]: النص السابق مُتضمن في المقدمة التي خصَّها فوكو للنسخة الإنجليزية من كتابه الكلمات والاشياء، الصادرة عام 1971، وهي غير موجودة في الطبعة الفرنسية الأولى للكتاب عام 1966، وأيضا لم تُترجم إلى العربيّة في الترجمة الصادرة عام 1990 عن مركز الإنماء القوميّ.

26 Foucault, The Order of Things, p. 386;

فوكو، الكلمات والأشياء، ص 313.

27 Foucault, Archaeology of Knowledge, p. 22;

فوكو، حفريات المعرفة، ص 22.

28 المنطوق هو الوحدة الأولى للخطاب. ومجموع المنطوقات التي ترتبط فيما بينها بنظام قواعد أو بتشكيلة خطابية formation discursive هو ما يُنتج الخطاب. وجدير بالإشارة إلى أن المنطوق Enoncé (بالفرنسية) statement (بالإنجليزية) هو الترجمة التي استخدمها الزواوي بغورة، وقد تُرجم أيضا إلى ملفوظ وعبارة. ويرى بغورة أن المنطوق تؤدي المعنى المراد بها في إطار تحليلات فوكو للخطاب. يُنظر: الزواوي بغورة، مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2000)، ص 95. [المترجم].

29 Michel Foucault, “The Discourse on Language,” in: The Archaeology of Knowledge, Rupert Swyer (trans.) (New York: Pantheon, 1972), p. 216, 220, 222;

ميشيل فوكو، نظام الخطاب، ترجمة محمد سبيلا (بيروت: دار التنوير، 2007)، ص 11.

30 Foucault, “The Discourse on Language,” in: The Archaeology of Knowledge, p. 216;

فوكو، نظام الخطاب، ص 4.

31 Foucault, Archaeology of Knowledge, p. 63, 68, 162.

فوكو، حفريات المعرفة، ص 57، 63، 149.

32 Foucault, “Nietzsche, Genealogy, History.”

33 Foucault, “The Discourse on Language,” 219; Michel Foucault, “Truth and Power,” in: Michel Foucault: Power/Knowledge, Colin Gordon )ed. & trans.)(New York: Harvester Wheatsheaf, 1976), p. 112.

34 Foucault, “Truth and Power,” p. 114.

35 ميشيل فوكو، تاريخ الجنسانية. 1، إرادة العرفان، ترجمة محمد هشام (الدارالبيضاء: أفريقيا الشرق، 2004). [المترجم].

36 Foucault, Discipline and Punish, p. 25;

فوكو، المراقبة والمعاقبة، ص 63.

37 Michel Foucault, The History of Sexuality: An Introduction, Robert Hurley (trans.) (London: Penguin, 1976), p. 93, 94;

ميشيل فوكو، إرادة العرفان، ص 77.

38 Foucault, The History of Sexuality: An Introduction, p. 139;

ميشيل فوكو، إرادة العرفان، ص 115.

39 Foucault, The History of Sexuality: An Introduction, p. 21;

ميشيل فوكو، إرادة العرفان، ص 18-19.

40 أي الحديث عن كل تفاصيل العمليّة الجنسية خلال جلسة الاعتراف، يقول فوكو: «لقد كان المرشدون [الكهنة] يُكررون بأنه ينبغي قول كل شيء، لا فقط الأفعال الناجزة، ولكن أيضا الملامسات الجسدية، وكل النظرات الدنسة، وكل الكلمات الفاشحة»، يُنظر: فوكو، إرادة العرفان، ص 19. [المترجم].

41 Foucault, The History of Sexuality: An Introduction, p. 105;

فوكو، إرادة العرفان، ص 88.

42 كان فوكو منهمكًا قبل عامين من وفاته بتحرير الجزء الثاني والثالث من كتابه عن تاريخ الجنسانية، وهما الجزءان اللذان خصَّهما للتجربة الجنسية في التقاليد اليونانيّة والرومانيّة، يُنظر: ميشيل فوكو، تاريخ الجنسانية. 2، استعمال المتع؛ مشيل فوكو، تاريخ الجنسانية. 3، الانشغال بالذات، ترجمة محمد هشام (الدارالبيضاء: أفريقيا الشرق، 2004). [المترجم].

43 صدر هذا الكتاب عام 2018 عن دار غاليمار، وعُدَّ بذلك الجزء الرابع والأخير من كتاب تاريخ الجنسانية، [المترجم]. يُنظر:

Michel Foucault, Histoire de la sexualité. 4, Les aveux de la chair (Paris: Gallimard, 2018).

44 cf. Foucault, Religion and Culture.

45 Michel Foucault, “Iran: The Spirit of a World Without Spirit,” in: Politics Philosophy Culture, p. 211-224; Janet Afary & Kevin Anderson, Foucault and the Iranian Revolution: Gender and the Seductions of Islamism (Chicago: University of Chicago Press, 2005).

46 Michel Foucault, “Michel Foucault and Zen: A Stay in a Zen Temple,” in: Religion and Culture, p. 113.

47 Michel Foucault, “The Concern for Truth,” in: Politics Philosophy Culture, p. 257.

48 Pierre Hadot, Philosophy as a Way of Life, A. I. Davidson (ed.) (Oxford: Blackwell, 1995).

49 Michel Foucault, The Care of the Self, Robert Hurley (trans.) (London: Penguin, 1984);

مشيل فوكو، تاريخ الجنسانية. 3، الانشغال بالذات، ترجمة محمد هشام (الدارالبيضاء: أفريقيا الشرق، 2004).

50 Michel Foucault, On The Government of the Living: Lectures at the Collège de France, 1979–1980, Michel Senellart (ed.), Graham Burchell (trans.) (New York: Palgrave Macmillan, 2014); Jeremy Carrette, “ ‘Spiritual Gymnastics’: Reflections on Michel Foucault’s On the Government of the Living 1980 Collège de France lectures,” Foucault Studies, no. 20 (Dec 2015), p. 277-290.

51 Michel Foucault, “The Ethic of the Care of the Self as a Practice of Freedom,” in: The Final Foucault, James Bernauer & David Rasmussen (ed.) (Cambridge, Mass.: MIT Press, 1988), p. 1.

52 McGushin, Foucault’s Askésis ; Foucault, The Uses of Pleasure, p. 9;

فوكو، استعمال المتع، ص 10.