من (الدولة) العلمانيّة أو الدينيّة إلى (الدولة) المدنية

(سوء) الفهم المتعلّق بالمفاهيم المعياريّة الكثيفة

حسام الدين درويش*

doi:10.17879/mjiphs-2022-3904

يتناول هذا البحث، تناولًا نقديًّا، بعض الإشكاليات النظرية والمنهجية، وأشكال سوء الفهم، الفعلية أو الممكنة، المرتبطة بالنقاش حول مدى (عدم) وجود توافقٍ بين الإسلام والتنوير/ الحداثة. وينظر إلى الخطاب المتضمِّن ﻟ «المفاهيم المعياريّة الكثيفة، بوصفه مصدرًا موضوعيًّا مهمًّا من مصادر (سوء) الفهم؛ حيث تخلق الازدواجية، الوصفيّة والتقييمية، المحايثة لهذه المفاهيم إشكالياتٍ نظريةً ومنهجيةً متميِّزةً يمكن لها أن تفضي إلى حصول سوء الفهم، أو إلى تمايزٍ واختلافٍ أكبر بين الأفهام والتأويلات. ومعظم أو كل المفاهيم الأساسيّة المتضمنة في النقاشات «السرمدية» الجارية، في خصوص إمكانية وجود/ إيجاد توافقٍ بين الإسلام والتنوير أو الحداثة، هي مفاهيم معياريّةٌ كثيفةٌ. ويركِّز البحث اهتمامه على مفهوم (الدولة) العلمانيّة تحديدًا، ليناقش بعض صيغ سوء الفهم في النقاشات الدائرة حول هذا المفهوم في العالم العربيّ «الإسلاماتي» من الصيغة الإيجابية لمفهوم العلمانيّة عند بطرس البستاني والصيفة السلبيّة لذلك المفهوم عند جمال الدين الأفغاني إلى «النموذج الإنسانيّ العلماني» عند صادق جلال العظم، مرورًا بالنقاشات بين محمد عابد الجابري وحسن حنفي وجورج طرابيش وعزيز العظمة وعبد الوهاب المسيري. ويحاج البحث بضرورة تفكيك التقابل المثنوي بين (الدولة) العلمانيّة و(الدولة) الدينيّة، أو إظهار تفكك ذلك التقابل. ويتناول البحث مفهوم (الدولة) المدنية بوصفه مفهومًا مفكِّكًا لذلك التقابل، ومتجاوزًا له، في الوقت نفسه. ويتأسس ذلك التفكيك على الاعتقاد بضرورة وفائدة خروج النقاشات الدائرة، في الفكر العربيّ المعاصر، عمومًا، من إطار التحزبات الأيديولوجية المعياريّة الخالصة التي تقسم العالم، مانويًّا، إلى ما هو خيِّرٌ وما شريرٌ، وما هو جيدٌ وما هو سيءٌ. والخروج، الجزئي والنسبي، من تلك التحزبات لا يعني نفي أو إنكار وجود بعدٍ و/ أو أساسٍ أيديولوجيٍّ لتلك النقاشات، وإنما يعني الكشف عن ذلك البعد أو الأساس، من جهةٍ، وضبطه، والبحث عن تسويغه ومسوغاته، معرفيًّا، بما يسمح بفهمٍ ذاتيٍّ أفضل، من جهةٍ، ويفسح المجال للفهم المتبادل، والتفاهم، مع المختلفين، معرفيًّا وأيديولوجيًّا، من جهةٍ أخرى. وانطلاقًا من ذلك الفهم والتفاهم، يمكن للنقاش مع الآخرين، وللاتفاق أو الاختلاف معهم، أن يكون ذا معنىً، معرفيًّا على الأقل.

كلمات مفتاحية: المفاهيم المعياريّة الكثيفة؛ الدولة الدينيّة؛ الدولة العلمانيّة؛ الدولة المدنية؛ سوء الفهم

* باحث في مركز الدراسات الإنسانيّة للبحوث المتقدمة بجامعة لايبتزيغ، ألمانيا.

From the Secular or Religious (State) to the Civil (State)

(Mis)Understanding of Thick Normative Concepts in

the Arab and Islamicate world(s)

Housamedden Darwish*

This paper aims to address some theoretical and methodological problematics, as well as actual and potential forms of misunderstanding related to the concept of secularity/secularism, as a “thick normative concept,” in the Arab and Islamicate world(s). To this end, the paper considers early normative formulation of the concept of secularism which can be traced back to the writings of al-Bustani and al-Afghani. Furthermore, it critically examines the concept of secularity/secularism in modern and contemporary debate by al-Jabri, Tarabishi, al-‘Azmeh, el-Messiri and al-‘Azmeh. Within the context of the ideological debate on the concept of secularity/secularism, different forms of misunderstanding are highlighted, and the ideological confrontation or antagonism, between the secular and the religious is thus highlighted. In addition, some scholars have reservations about raising the concept of secularity/secularism to the level of a slogan, because they consider it a political ideology that can be fascist or authoritarian. In explaining these reservations, the relationship between secularity and democracy is also discussed. Moreover, deconstruction is seen as a necessity in order to overcome negative dialectics – the “secular/religious” dichotomy in general, and the “secular state/religious state” dichotomy in particular. In conclusion, the concept of the “civil state,” as a potential deconstructing concept of the mentioned dichotomies, is proposed. It is of importance to extract the general discussions taking place in contemporary Arab thought from the framework of pure normative ideological partitions. Leaving these partisanships behind, partially or relatively, does not mean denying the existence of an ideological dimension and/or basis for the discussions concerned. Instead, it should reveal ideological dimensions or foundations, control them, and search for epistemological justification. In turn this should allow for better self-understanding, and thus pave the way for mutual understanding with those who disagree with it epistemologically and ideologically. Based on this understanding, discussion with others, and thus agreement or disagreement with them, can be meaningful, at least at the epistemological level.

Keywords: Thick Normative Concepts; Secular State; Religious State; Civil State; Misunderstanding

* Researcher at Humanities Centre for Advanced Studies, Leipzig University, Germany

هل يتسق أو ينسجم الدين/ الإسلام (السياسيّ) مع الديمقراطيّة أو العلمانيّة أو الحداثة (السياسيّة) أو التنوير ...إلخ؟ ما زال هذا السؤال يُطرح منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، في العالمين العربيّ والغربي، وفي الميدان الأكاديمي وخارجه. وإلى جانب القول بزيف هذا السؤال، ورفض الإجابة عنه، (إجابةً مباشرةً)1، تتراوح الإجابات عنه بين قطبين رئيسين: فمن ناحيةٍ أولى، ثمة من يقول بإمكانية هذا التطابق إلى الحد الذي يُمكن معه الحديث عن إسلامٍ علمانيٍّ أو ديمقراطيٍّ أو حداثيٍّ2، وثانيهما يقول بأن الإسلام معادٍ للحداثة، لأنه، في صميمه، وبالضرورة، غير قادرٍ على الفصل بين الدين والسياسة3. وفي الإجابة عن هذا السؤال وما يماثله، لا يقتصر الباحثون والمفكرون، عادةً، على تقديم إجاباتهم، والمحاجة بمنطقيتها ومعقوليتها وواقعيتها، بل يناقشون أيضًا الإجابات المختلفة عن إجابتهم، أو المخالفة لها، وإظهار ما تفتقده من منطقية ومعقولية وواقعيةٍ.

يتناول هذا البحث، تناولًا نقديًّا، بعض الإشكاليات النظرية والمنهجية، وأشكال سوء الفهم، الفعلية أو الممكنة، المرتبطة بالنقاش حول مدى (عدم) وجود توافقٍ بين الإسلام والتنوير/ الحداثة. وإلى جانب العوامل «الذاتيّة» لسوء الفهم – المتمثلة، على سبيل المثال، في موقف الذات، وتحيزها السلبيّ، وتصوراتها المسبقة الجامدة، وضعف أو انعدام «إرادة الفهم»، أو «الإرادة الطيبة للفهم»، وفقًا لتعبير جادامر4 – ثمة أسبابٌ موضوعيّةٌ لسوء الفهم؛ وتأتي اللغة في مقدمة تلك الأسباب الموضوعيّة. فالغموضٌ محايثٌ للُّغة؛ وغالبًا، على الأقل، ما يكون للكلمات، بوصفها الوحدة الدلالية الأصغر في اللغة، معانٍ أساسيّةٌ وثانويةٌ مختلفةٌ، وفقًا للسياقات الظاهرة أو الخفية. في المقابل، ثمة إمكانيةٌ دائمةٌ لإعادة بناء النص، بوصفه الوحدة الدلالية الأعلى في اللغة، أو إعادة فهمه وتأويله، بطريقةٍ مختلفةٍ. وإذا كانت «أخلاق الفهم»5 ضروريةً، لتجاوز أو تجنب العوامل الذاتيّة لسوء الفهم، تجاوزًا جزئيًّا على الأقل، فإن مجابهة العوامل الموضوعيّة لسوء الفهم تبدو أكثر صعوبةً ومشقةً.

ويمكن النظر إلى الخطاب/ النص المتضمِّن ﻟ «المفاهيم المعياريّة الكثيفة» (Thick normative concepts)6، بوصفه مصدرًا موضوعيًّا مهمًّا من مصادر (سوء) الفهم. فعلى العكس من المفاهيم الوصفيّة الخاليّة (تقريبًا) من التقييم (مفهوم «شجرة» مثلًا)، والمفاهيم المعياريّة الخاليّة (تقريبًا) من الوصف (مفهوم «الخير» مثلًا)، تتضمن المفاهيم المعياريّة الكثيفة وصفًا وتقييمًا، في الوقت نفسه (مفهوم الشجاعة مثلًا). وتخلق هذه الازدواجية، الوصفيّة والتقييمية، إشكالياتٍ نظريةً ومنهجيةً متميِّزةً يمكن لها أن تفضي إلى سوء الفهم، أو إلى تمايزٍ واختلافٍ أكبر بين الأفهام والتأويلات.

ويمكن المحاجَّة بأن معظم أو كل المفاهيم الأساسيّة المتضمنة في النقاشات «السرمدية» الجارية، في خصوص مدى إمكانية وجود/ إيجاد توافقٍ بين الإسلام بين العلمانيّة التي تستند والتنوير أو الحداثة، هي مفاهيم معياريّةٌ كثيفةٌ: مفاهيم التنوير، الإسلام، الديمقراطيّة، الشريعة، الحداثة، الجهاد ...إلخ. فهذه المفاهيم لا تقتصر على وصف ما هو كائنٌ، أو ما يمكن أن يكون، بل تتضمن، أيضًا بالضرورة، إشارةً معياريّةً إلى ما يجب أن يكون.

أولا. الصياغة الأولى لمفهوم العلمانيّة، في العالم العربيّ–الإسلاميّ، بوصفه مفهومًا معياريًّا بامتيازٍ: البستاني والأفغاني

يبدو الطابع المعياريّ لمفهوم العلمانيّة/ العلمانوية واضحًا، منذ الصياغة الأولى لهذا المفهوم في العالم العربيّ-الإسلاميّ. ويمكن التمييز بين تصورين/ مفهومين متناقضين معياريًّا، في الصياغات الأولى لهذا المفهوم، في العالم العربيّ- الإسلاميّ. ويُقدِّم نص نفير سوريا (1860-1861)7، لبطرس البستاني، التصوُّر المعياريّ الإيجابي الأول لهذا المفهوم؛ في حين يتضمن كتاب جمال الدين الأفغاني، الرد على الدهريين (1881)8، أول صياغةٍ سلبيّةٍ معياريًّا، لهذا المفهوم، في العالم العربيّ- الإسلاميّ. ويصعب تصور حصول تفاهمٍ أو فهمٍ متبادلٍ بين طرفين، أحدهما يرى العلمانيّة أقرب إلى الشر المطلق، والآخر يراها أقرب إلى الخير المطلق. فالبستاني يحاجّ بالضرورة المطلقة للفصل بين السلطتين الروحية والسياسيّة أي السلطة المدنية، ويشدد على أن الخلط بين السلطتين يفضي إلى استحالة «وجود التمدن وحياته ونموه»9. في المقابل، كتب الأفغاني رده، للمقارنة أو «المقابلة بين مذهب الدهريين وبين الدين على وجهٍ عامٍّ، وأثر كلٍّ من الأمرين في بنية الاجتماع الإنسانيّ»10. ونتيجة المقارنة واضحةٌ، في كل سطرٍ من أسطر النص: العلمانيّة، أو ما كان يسميه ﺑ «الدهرية أو النيتشرية»11، هي «جرثومة الفساد، وأرومة الإداد، وخراب البلاد، وبها هلاك العباد»12.

لم يكن هناك مجالٌ للحوار المباشر، بين صاحبي هذين التصورين المتناقضين، عن العلمانيّة، لكن هذين التصورين شائعان جدًّا، في العالم العربيّ- الإسلاميّ المعاصر. فنجد تصور البستاني حاضرًا، بمضامينه، الوصفيّة والمعياريّة، ومحاجاته وحججه، لدى كثيرٍ من العلمانيين/ العلمانويين، في حين أن تصور الأفغاني للعلمانيّة/ الدهرية، وأحكامه المعياريّة في خصوصها، قوي الحضور لدى الإسلاميّين/ الإسلامويين. وقد شهد التاريخ العربيّ المعاصر عددًا كبيرًا من المناظرات بين هذين القطبين، أو بين أنصار العلمانيّة، من جهةٍ، وأعدائها أو منتقديها والمتحفظين عليها، من جهةٍ أخرى. ولا يقتصر الاختلاف، بين هذين القطبين، على الجانب المعياريّ فحسب، بل يمتد إلى الجانب الوصفيّ أيضًا، إلى درجةٍ تسمح بالتساؤل فيما إذا كان النقاش يدور، في هذا الخصوص، حول تصورين (أو أكثر) لمفهوم العلمانيّة، أم حول مفهومين متمايزين. وسنركِّز، فيما يلي، على بعض أبرز التعريفات الشائعة للعلمانيّة، في العالم العربيّ- الإسلاميّ، لتوضيح هذا الاختلاف.

ثانيا. مفهوم العلمانيّة بين الجابري وحنفي وطرابيشي

تُعرَّف العلمانيّة، عادةً، بأنها فصل الدين عن الدولة و/ أو عن السياسة، أو فصل الكنيسة عن الدولة، أو فصل السلطة الدينيّة عن السلطة السياسيّة. وعلى الرغم من أن هناك من يرى أن العلمانيّة تتضمن كل هذه الأنواع من الفصل، وغيرها، فهناك من يتبنى أحد هذه التعريفات، ويرفض تعريفًا آخر. ويجسد هذا الاختلاف في التعريف، أو تحديد معنى المفهوم، أحد مصادر سوء الفهم في النقاشات الدائرة في هذا الخصوص، في الثقافة العربيّة- الإسلاميّة. وهذا ما أشار إليه عبد الوهاب المسيري، حيث شدِّد على أن مصطلح العلمانيّة «من أكثر المصطلحات شيوعًا وإثارةً للفرقة»، وبأنه أبعد ما يكون عن أن يكون «محدد المعاني، والأبعاد والتضمينات» 13. وهذا، أيضًا، ما شدَّد عليه الجابري، محقًّا، حين كتب: «ما من شعارٍ من شعارات الفكر العربيّ الحديث كان -وما يزال– مدعاةً للبس وسوء التفاهم كشعار العلمانيّة»14.

المفارقة الطريفة، في هذا الخصوص، تكمن في أن موقف الجابري نفسه، من العلمانيّة، يجسِّد نموذجًا واضحًا لهذا اللبس، وعاملًا من عوامل سوء الفهم/ سوء التفاهم السائد، في هذا الخصوص. فموقفه من العلمانيّة كان واضحًا وملتبسًا أو متناقضًا، في الوقت نفسه. فمن ناحيةٍ أولى، صرح الجابري، في أكثر من نصٍّ، وبوضوحٍ شديدٍ، أن العلمانيّة «مسألةٌ مزيفةٌ» و«شعارٌ ملتبسٌ»، ودعا إلى «استبعاد هذا الشعار من قاموس الفكر القوميّ العربيّ»15. ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، وفي النص ذاته، يشدِّد الجابري على ضرورة «فصل الدين عن السياسة، بمعنى تجنُّب توظيف الدين لأغراضٍ سياسيّةٍ»16. لكن كيف يمكننا أن نفهم تبني هذين الرأيين معًا؟ كيف نقول بزيف مسألة العلمانيّة، «بمعنى أنها تعبِّر عن حاجاتٍ بمضامين غير متطابقةٍ مع تلك الحاجات»، من جهةٍ، ونقول بضرورة «فصل الدين عن السياسة»، من جهةٍ أخرى؟ أليس هذا الفصل الأخير هو أحد مقومات مفهوم العلمانيّة وتعريفاته؟ لقد أشار الجابري نفسه، في حواره مع حسن حنفي، إلى إمكان أن يكون «فصل الدين عن السياسة»، هو أحد معاني العلمانيّة أو تعريفاتها17. ومع ذلك، فهو يقول، من جهةٍ، بضرورة هذا الفصل، ومن جهةٍ أخرى، بزيف مسألة/ شعار العلمانيّة، في النص ذاته.

لقد بحث الجابري مسألة العلمانيّة، في إطار تناوله ﻟ «مسألة الدين والدولة»، ورأى أن العلمانيّة، بوصفها تحيل على هذه الثنائية، أو على الفصل بين طرفيها، (فصل الدين عن الدولة)، هي ثنائيةٌ مزيفةٌ. وانطلاقًا من أن ثنائية «الدين والدولة»، تعني، من وجهة نظر الجابري، ثنائية «الكنيسة، بوصفها سلطةً دينيّةً مستقلةً، والدولة»، تحديدًا، فإن العلمانيّة تعني، حصرًا، «فصل الدين/ السلطة الدينيّة عن الدولة» 18. وبما أنه لا يوجد، في الإسلام، كنيسةٌ أو سلطةٌ دينيّةٌ مستقلةٌ، فلا معنىً، من منظور الجابري، للحديث عن العلمانيّة، في الإسلام أو في معظم دول العالم العربيّ. وعنوان نص الجابري، عن مسألة «الإسلام والعلمانيّة»، في حواره مع حسن حنفي، هو «الإسلام ليس كنيسةً كي نفصله عن الدولة»19. ويرى الجابري أن العلمانيّة نشأت في أوروبا، للفصل بين مؤسستين موجودتين (الدولة والكنيسة)، لتجنب قيام دولةٍ داخل/ ضد دولةٍ، أو سلطةٍ تنازع الدولة في صلاحياتها؛ في حين أنها نشأت في العالم العربيّ- الإسلاميّ «في الأقطار التي توجد فيها الطائفية الدينيّة كمكونٍ أساسيٍّ من مكونات المجتمع». فالعلمانيّة مسألةٌ تتعلّق بأوروبا، أو ببعض الدول التي تعاني من مسألة الطائفية الدينيّة، لكن لا مكان لها في الدول التي لا توجد فيها هذه الطائفية، بوصفها مشكلًا اجتماعيًّا/ سياسيًّا20.

اختلف جورج طرابيشي، اختلافًا كبيرًا، مع الجابري وحنفي، في هذا الخصوص، وأَولى مسألة تعريف العلمانيّة عنايةً خاصةً، في نقده لهما، حيث شدّد، في بداية هذا النقد، على أنه «ليس صحيحًا تعريف العلمانيّة بأنها «فصل الكنيسة عن الدولة»21. ورأى طرابيشي، في اختزال الجابري «فصل الدين عن الدولة» إلى «فصلٍ للكنيسة عن الدولة»، «حيلةً شكليةً» تهدف إلى تجنب القول بوجوب فصل الإسلام، بوصفه دينًا، عن الدولة.

كان يمكن أن يكون للانتقادات التي وجهها طرابيشي للجابري معقولية، كبيرة أو أكبر، لو أن موقف الجابري قد اقتصر على القول بزيف مسألة العلمانيّة، ووجوب استبعادها من الفكر/ العالم العربيّ الإسلاميّ. لكن موقف الجابري أكثر تعقيدًا من ذلك. وفي الانتقادات الشديدة التي وجهها طرابيشي إلى موقف الجابري من مسألة العلمانيّة، يحاج طرابيشي بضرورة الفصل بين السلطتين الدينيّة والسياسيّة، في المجتمعات العربيّة الإسلاميّة، من خلال التشديد على وجود سلبيّاتٍ، كثيرةٍ وكبيرةٍ، في عمليّة «تديين السياسة وتسييس الدين»، القائمة في هذه المجتمعات، على قدمٍ وساقٍ22. هذه المحاجّة تغفل أن الجابري، نفسه، قد شدَّد على تمايز الدين والسياسة، تمايزًا جوهريًّا، وعلى ضرورة الفصل أو التمييز بينهما، وعلى مخاطر توظيف الدين في السياسة، وإمكانية نشوء حروبٍ أهليةٍ، نتيجةً لذلك. من الواضح وجود سوء فهمٍ في هذا الخصوص، وهو ناتجٌ، من جهةٍ أولى، عن موقف الجابري وصياغاته لموقفه الذي يبدو، لوهلةٍ أو أكثر، متناقضًا، ومن جهةٍ ثانيةٍ، عن قراءة طرابيشي الأحادية أو المجتزئة التي لم تأخذ في الحسبان، تعقيدات موقف الجابري، بسبب الطبيعة السجالية والأيديولوجية لمعظم النقاشات الدائرة، في خصوص هذه المسألة، وهي ناتجةٌ، من جهةٍ ثالثةٍ، عن «طبيعة المفهوم» ذاته، من حيث إنَّه مفهومٌ معياريٌّ، وإشكاليٌّ أو مختلفٌ عليه جوهريًّا.

ثالثا. العلمانيّة بين العظمة والمسيري

في السجال الأيديولوجي الذي جمع عزيز العظمة وعبد الوهاب المسيري23، ينتقد عزيز العظمة دخول مسألة العلمانيّة «في مجالات خطابية هلامية، غير منضبطة، مفتقرة إلى الدقة في الجد والتدبر، بل والفهم، جانحة – والحال كذلك – إلى الاستخدام السجالي وإلى الاندراج المباشر في السياسات الآنية والظروف المرحلية»24. وبعد الاستفاضة في انتقاد الخطاب العربيّ المعاصر عن العلمانيّة وتناوله السجالي والأيديولوجي السطحي لهذه المسألة25، وبعد تعريف العلمانيّة بالسلب، من حيث أنها «ليست فكرةً، وليست لائحة بالعلامات التي يمكن الإشارة إلى حضورها أو غيابها»، يقدم العظمة تصوره/ مفهومه للعلمانيّة، بوصفها «عمليّة تاريخيّة بالغة التعقيد، طويلة الأمد، (...) تتناول وتمس المجتمع والسياسة والفكر والتصور والمعرفة»26.

يُقدِّم نص العظمة، المذكور، فرصةً مهمةً للقيام ببعض التمييزات المفهومية، التي يمكن أن تساعد على تجنب سوء الفهم المتعلّق بمسألة العلمانيّة. ولا تنبع أهمية نص العظمة، في هذا السياق، من مجرد كونه يتضمن خلاصات كتبه الأساسيّة، في هذا الخصوص، مع إضافاتٍ وتجديداتٍ، كما يشير هو بنفسه إلى ذلك27، ولا من مجرد كونه يتضمن، في الوقت نفسه، سجالًا أيديولوجيًّا وعلمانويًّا مهمًّا، ودراسةً علميةً تاريخيّةً مفيدةً كان وما زال نادرًا وجودها في الخطاب/ الفكر العربيّ المعاصر. فأهمية هذا النص تنبع أيضًا من كونه يتضمن تجسدًا لبعض أهم الإشكالات اللغوية/ المفاهيمية النظرية والمنهجية، التي تسهم في اضطراب المعنى، ولبسه، وسوء الفهم أو عدم التفاهم، وعدم القدرة على الاختلاف، أو الاتفاق، الفعلي ذي المعنى، بين المتناقشين، في خصوص مسألة «العلمانيّة».

من الضروري التمييز في هذا الخصوص بين ثلاثة أو أربعة مفاهيم أساسيّة: العلمانيّة Secularity، العلمانويّة Secularism، العلمنة أو التَّعلمن Secularisation 28. مفهوم «العلمانيّة»، هنا، مفهومٌ تحليليٌّ، بمعنى أنه يحيل على التمايز المؤسساتي والرمزي، في الواقع، وعلى التمييز النظري، في الفكر، بين الدين/ الدينيّ وما يغايره. فهذا المفهوم يُستخدم، بوصفه أساسًا، لوصف/ تحليل التمايزات الواقعية والتمييزات النظرية، ففي هذا الخصوص، علينا أن نسعى، قدر المستطاع، إلى ألا يتضمن هذا المفهوم موقفًا معياريًّا/ أيديولوجيًّا من هذه التمايزات والتمييزات. مع العلمانوية، نحن نشرِّع الأبواب أمام الموقف المعياريّ/ الأيديولوجي، بدون أن نتخلى، بالضرورة، عن المسعى التحليليّ المعرفي. فالعلمانوية تحيل على موقفٍ «مؤيدٍ» لعلمنة الواقع أو تَعلْمُنه، ومبرزٍ لإيجابيات هذه العلمنة أو هذا التعلمن. والمقصود بالعلمنة/ التعلمن هو التمييزات والتمايزات، المقصودة أو غير المقصودة، التي تحصل، في الواقع، وفي الفكر، بين الدين/ الدينيّ، من جهةٍ، وما هو مغايرٌ للدين/ غير الدينيّ، من جهةٍ أخرى.

انطلاقًا من التمييزات والتمايزات المذكورة، يمكننا فهم قول العظمة بوجوب الابتعاد عن الموقف العلمانوي، وفهم العلمانيّة، بوصفها مفهومًا تحليليًّا، لدراسة عمليات العلمنة أو التعلمن التي حصلت وتحصل في الواقع. فالكلام التاريخيّ، الذي يدعو العظمة إليه، ويمارسه، في نصوصه المتعددة، في هذا المجال، «هو خطابٌ وصفيّ وتحليليّ يستخدم مقولات يتحرَّى عن طريقها علاقة الدين – أفكارًا وتصوراتٍ ومؤسساتٍ وقيمًا – بالدنيا في مسارات التاريخ (...)»29. ويرفض العظمة الرؤية الأيديولوجية/ المعياريّة التي ترى في العلمانيّة «لائحة من المثالب والمكاسب والمحاسن، تبعًا لاستساغتها أو عدم استساغتها، لائحة يقال إن عناصرها متحققة أو إنها غير قائمة بل وأن لا قائمة لها»30. وسأكثف، فيما يلي، بعض الملاحظات المتعلّقة ببعض المسائل المفاهيمية/ المنهجية في نص/ منظور العظمة، لإظهار كيف يمكن أن تكون مصدرًا من المصادر الموضوعيّة لسوء الفهم، في مثل هذه المسائل والسياقات.

على الرغم من أن العظمة يحث على توخي الدقة، في سبر الواقع، وفي إنتاج المفهوم معًا، فإننا لا نجد في نصه، ولا في معظم نصوص الفكر العربيّ التي تتناول مسألة العلمانيّة، تمييزًا (واضحًا) بين مفاهيم العلمانيّة، والعلمانوية، والعلمنة/ أو التعلمن31. صحيحٌ أنه بالإمكان، أحيانًا، العثور، في نص العظمة، على تمييزٍ ضمنيٍّ بين هذه المعاني/ المفاهيم الثلاثة، لكن العظمة يستخدم مفردةً واحدةً، هي «العلمانيّة»، للدلالة عليها، وليس واضحًا ما يعنيه بها، تحديدًا، في بعض الأحيان، على الأقل. وعلى الرغم من أن العظمة يستخدم، أحيانًا قليلةً، فعل «تعلمن»، ومرةً واحدةً، مفردة «علمنة»، في نصه المذكور، إلا إنه لا يستخدم، عمومًا، مفردةً خاصة للإحالة على هذا المفهوم. فمفردة العلمانيّة عنده تحيل، في الوقت نفسه، على واقعٍ تاريخيٍّ، من جهةٍ، وعلى وعيٍّ بهذا الواقع التاريخيّ، من جهةٍ أخرى. ويغيب أحيانًا هذا التمييز الضمني، بحيث يجري رفض كون العلمانيّة علمانويةً أو «نظرةً ومنظورًا ومعيارًا»، والتشديد على أنها مجرد «سلسلة عمليات موضوعيّةٍ في التاريخ»32.

الحديث عن العلمانيّة، بوصفها واقعًا موضوعيًّا، يجعلها، في كثيرٍ من الأحيان، أشبه بالقَدَر، لا خيار للوعي إلا أن يكون وعيًا مطابقًا له، فيكون إما تقدميًّا، أو مساوقًا لحركة المجتمع والفكر في عصر الحداثة»، وإما رجعيًّا، لكونه وعيًا مناهضًا لها، ومعاكسًا للواقع. فمن منظور العظمة، العلمانيّة، بوصفها علمنةً أو تعلمنًا، أو «جملة قوى وتحولات وتصورات ومؤسسات تاريخيّة»، ليست «وصفة أو صيغة جاهزة قد تختار جماعة تاريخيّة معينة تطبيقها أو رفضها (...)»33؛ و«ليست خيارًا أيديولوجيًّا بقدر ما هي تاريخ موضوعيّ وعالمي في آنٍ»34.

وعلى العكس من حال مفهوم «العلمنة/ التعلمن»، حيث يحضر المعنى، ويغيب المبنى الخاص به، فإن مفهوم «العلمانوية» غائبٌ أو مغيَّبٌ، في نصِّ العظمة، مبنىً ومعنىً، غيابًا كليًّا، تقريبًا. فهو لا يرى أن هناك معنىً للحديث عن موقف عقائديٍّ أو أيديولوجيٍّ علمانويٍّ؛ فالعلمانيّة، أو الوعي المطابق للعلمانيّة/ للعلمنة، بوصفها واقعًا موضوعيًّا، «مجرد نظرية عقلية وتاريخيّة للقيم: إنها ليست موقفًا عقائديًّا، ولو تكاملت مع عقائد شتى، بل وعيًا بالواقع التاريخيّ والطبيعي (...)»35، أو هي واقعٌ اجتماعيٌّ، وليست مشروعًا مناقضًا ﻟ «المشروع الإسلاميّ» 36. وعلى الرغم من ذلك، نجد أن العظمة لا ينكر، أحيانًا، أيديولوجية خطابه «العلمانوي»، حين يشير إلى أن التناول الأنسب لدعاوى الخطاب الإسلاميّ السياسيّ هو «التناول الأيديولوجي»37. وهذا التناول الأيديولوجي هو ما ينبغي، من خلال مفهوم «العلمانوية»، تمييزه، أو الإشارة إلى تمايزه، عن العلمانيّة، بوصفها علمنةً أو تعلمنًا، وعن العلمانيّة، بوصفها مفهومًا تحليليًّا وصفيًّا.

لا ينبغي إنكار علمانوية الخطاب الأيديولوجي المنافح عن العلمانيّة والعلمنة، والمشدِّد على واقعيتها، وضرورتها، وإيجابياتها، الكثيرة والكبيرة. وإذا كانت «العلمانيّة ليست موقفًا عقائديًّا، ولا تتضمن مثل هذا الموقف»، فإن العلمانوية، هي كذلك بالتأكيد. ويصعب فهم كيف «لا تتضمن العلمانيّة موقفًا عقائديًّا»، إذا لم يتم الفصل، الجزئي والنسبي، بينها وبين العلمانوية. لكن هذا الفصل يبقى فصلًا جزئيًّا ونسبيًّا فقط، ولا ينفي وجود بعد أيديولوجيٍّ في المفهوم التحليليّ الوصفيّ، ووجود بعدٍ تحليليٍّ ووصفيٍّ في المفهوم الأيديولوجي. ومن علامات الفكر الأيديولوجي تبنيه الموقف أو المنطق المانوي الذي يظهر في صيغة قضيةٍ عناديةٍ لا يمكن الجمع بين طرفيها. وهذا ما فعله العظمة، حين كتب، على سبيل المثال: «ليس هناك وسط بين العلمانيّة والعداء للعلمانيّة تقطن فيه الديمقراطيّة أو العقلانية فهما لا ينفصلان عن أسس العلمانيّة (...).»38 وانطلاقًا من الصياغة النظرية لهذه المواجهة الأيديولوجية القطبية، بين العلمانيين/ العلمانويين والإسلاميّين/ الإسلامويين، ينتقد العظمة «ارتهان الخطاب الليبرالي والخطاب القوميّ للخطاب الإسلاميّ»39 والمثقفين العرب «المهادنين للأسس الفكرية الإسلاميّة»40، و«العلمانيين المناهضين للعلمانيّة»؛ لكونهم «يشكلون بذلك قوى رديفة لقوى مناهضة لهم موضوعيًّا»41.

وإذا كان الخطاب الأيديولوجي هو المهيمن على الفكر العربيّ المنشغل بمسألة العلمانيّة، فإنه يُحسَب للعظمة محاولته تناول هذه المسألة من منظورٍ معرفيٍّ تاريخيٍّ، تحليليٍّ ووصفيٍّ، أيضًا، بدون التخلي الفعلي عن التناول الأيديولوجي لهذه المسألة. ومن هنا نرى ضرورة الحذر من الدمج أو الخلط بين الخطابين، الوصفيّ/ التحليليّ والأيديولوجي المعياريّ، من خلال القول أو الزعم بأن علمانيّة/ علمانوية الفكر تعني مجرد انحيازه للواقع والموضوعيّة العلمية والتاريخيّة، أما لا-علمانيته أو كونه مضادًّا للعلمانيّة، فيعني، بالضرورة، أنه مجرد «نهجٍ أيديولوجيٍّ تعبويٍّ وعدوانيٍّ ضد الواقع»42. وعلى الرغم من أن العظمة يشيد، في بداية نصه، بالتناول الوصفيّ التحليليّ لمسألة العلمانيّة، وينتقد الرؤية الأيديولوجية/ المعياريّة التي ترى في العلمانيّة «لائحة من المثالب والمكاسب والمحاسن، تبعًا لاستساغتها أو عدم استساغتها، فإنه سرعان ما ينخرط في السجال الأيديولوجي، وينغمس فيه، لدرجةٍ يصعب معها فصله عن التناول الوصفيّ التحليليّ.

فاستحسان العظمة، وكثيرين غيره من المفكرين العرب، للتناول التحليليّ الوصفيّ، وعدم استحسانهم للتناول الأيديولوجي المعياريّ، القائم على الاستحسان وعدم الاستحسان، لم يمنعهم من الانخراط في التناول الأيديولوجي المعياريّ. ونحن نرى أنه حتى في حال الاقتصار على ما يسمى بالوصف والتحليل، فإن ذلك لا يعني غياب التقييم والرؤية المعياريّة غيابًا كاملًا. فالبعد المعياريّ محايثٌ للمفاهيم، المتصلة بمسألة العلمانيّة، لكونها مفاهيم معياريّةً كثيفةً. ومن هنا تنبع ضرورة تفكيك، أو إبراز تفكُّك ثنائية «الوصفيّ أو التحليليّ والتقييمي او المعياريّ»، وثنائية «الموضوعيّ والذاتيّ»، وما يتصل بها، أو يماثلها، من ثنائيات. ويمكن ملاحظة تفكك مثل هذه الثنائيات في نص العظمة المذكور. ففي هذا النص، يبدو واضحًا حضور البعد المعياريّ التقييمي/ الذاتيّ أو الذاتوي، حتى حين يسعى العظمة إلى تبني خطابٍ تاريخيٍّ قائمٍ على الوصف والتحليل للواقع الموضوعيّ أو الصيرورة التاريخيّة الواقعية. ففي بداية نصه، يسارع العظمة إلى انتقاد ما يصفه ﺑ «سطحية تناول الخطاب العربيّ المعاصر للعلمانيّة»43، ثم سرعان ما ينغمس في إقامة ثنائيةٍ مانويةٍ، بين العلمانيّة التي تستند إلى النظرة العلمية، وتأخذ ﺑ «الاعتبار العقلي»، وتؤثر الحرية والضمير الواعي العاقل، وتشدد على التجدد والترقي...إلخ، من جهةٍ، والخطاب الدينيّ/ الإسلاميّ الذي يستند إلى الاعتبار الإيماني والخرافي، ويقدِّم النقل على العقل، ويركن إلى الموروث الكتبي، ويحاول إعادة إحياء الماضي المتقادم الزائل44. ومن الواضح مدى معياريّة مثل هذا الكلام الذي يُزعم، في كثيرٍ من الأحيان، أنه وصفيٌّ تحليليٌّ فقط.

رابعا. الإسلام و«النموذج الإنسانيّ العلمانيّ»:
صادق جلال العظم

هذا الخطاب الأيديولوجي/ المانوي، وصفيًّا/ تحليليًّا ومعياريًّا، كان وما زال سائدًا أو حاضرًا، بقوةٍ، في الفكر العربيّ المعاصر؛ ونجده واضحًا، على سبيل المثال، في معظم النصوص الأولى لصادق جلال العظم45. ففي تلك النصوص، وجَّه العظم سهام نقده الشديد إلى الدين، عمومًا، والدين الإسلاميّ خصوصًا، ورأى وجوب إقصائه عن المجال العام، بوصفه عقبةً من عقبات التقدم، ونقيضًا للعلم والديمقراطيّة والعلمانيّة والعصرية/ الحداثة ... إلخ. ويتبنى هذا الخطاب منظور نظريات التحديث والعلمنة، التي (كانت) ترى حتمية تراجع أهمية الدين في المجتمع ولدى (معظم) أفراده، وتلاشي حضوره، في المجتمعات عمومًا، وفي تلك التي تتسم بالتطور والحداثة والرفاه المادي، خصوصًا46. وقد تعرض هذا المنظور المعرفي والمعياريّ/ الأيديولوجي لانتقاداتٍ كثيرةٍ في العقود الأخيرة47، و وفي مقابل الحديث عن «عودة الدين»، رأى باحثون كثر بأن «الدين لم يذهب أو لم يغِب أصلًا، حتى نقول بعودته»، وبأنه حاضرٌ «دائمًا»48. وبعيدًا عن الاتجاهات المعادية للدين أو للعلمانيّة، يبدو واضحًا تنامي قوة حضور المنظور الذي يرى وجوب أن يأخذ «مجتمع ما بعد العلمانيٍّ» Post–Secular Society في الحسبان، أهمية العلمانيّة، وأهمية حضور الدين، في الوقت نفسه، بعيدًا عن افتعال أي صراعٍ بين الطرفين49.

لقد وجدت مثل هذه التطورات الفكرية صدىً في فكر العظم في مرحلةٍ لاحقةٍ، حيث بدأ العظم برؤية التمايزات في الفكر الدينيّ، وبالإقرار بإمكانية وجود تأويلاتٍ مختلفةٍ للدين، في داخل هذا الفكر، تنوس بين قطبين، أحدهما تقليديٌّ محافظٌ، ينبغي، بل ويجب، نقده أو انتقاده، والثاني حداثيٌّ مجدِّدٌ، يمكن التعايش معه، وقبوله، بل وتقبله. ففي تلك المرحلة الثانية50، لم يعد العظم ينظر إلى الفكر الدينيّ على أنه مجرد كتلةٍ متجانسةٍ لا مشروعيةً فيها إلا للونٍ واحدٍ، بل بدأ، في إشاراتٍ هامشيةٍ أو مقتضبةٍ، نسبيًّا، يقرُّ بأن هذا الفكر يضمُّ، أو يمكن أن يضمَّ، تنوعًا قد يصل إلى درجة التناقض بين أطرافه. وفي المرحلة الثالثة51، وفي سياق تناول سؤال انسجام الإسلام مع الحداثة أو التنوير والديمقراطيّة والعلمانيّة، تناولًا مباشرًا، ميَّز العظم تمييزًا مهمًّا بين «الإسلام النصي أو العقائدي الأول»، من جهةٍ، و«الإسلام التاريخيّ»، أي الإسلام كما يتجلى في اعتقادات المسلمين وسلوكهم، عبر التاريخ، من جهةٍ أخرى. كما يميِّز العظم بين ثلاثة أنواعٍ من «الإسلام التاريخيّ» في الصراع المعاصر، على تحديد معنى «الإسلام»: «إسلام الدولة الرسمي» أو «إسلام الحكم المطلق»، «إسلام التكفير والتفجير»، «إسلام الطبقات الوسطى والتجارية»52.

سمحت هذه التمييزات المفاهيمية للعظم بتقديم إجاباتٍ أكثر تنوعًا ودقةً عن سؤال التوافق بين الإسلام وما يسميه ﺑ «النموذج الإنسانيّ العلماني» الذي يشتمل على كل القيم «المتصلة بالحقوق والمواطنة، والكرامة الإنسانيّة، والديمقراطيّة والمجتمع المدني، ومحاسبة الحكومات، وما شاكل. (...) كما يشتمل على المؤسسات والممارسات والسلوكات التي تجسد تلك القيم وتسندها»53. ويشدِّد العظم على أن «الإسلام النصي أو العقائدي» لا يتوافق أو لا يتطابق إلا مع ذاته، وهو بالتالي غير قابلٍ لأن يتوافق مع ما يسميه ﺑ «النموذج العلماني». في المقابل، يرى العظم وجود إمكانيةٍ مبدئيةٍ دائمةٍ لأن يتوافق أو يتكيَّف (أحد أنواع) «الإسلام التاريخيّ» مع المستجدات والمتغيرات، عبر التاريخ. ومن الأنواع المعاصرة للإسلام التاريخيّ التي يمكنها أن تتوافق مع «النموذج العلماني»، وتقبله، بل وتتقبَّله، يشير العظم إلى «إسلام الطبقات الوسطى والتجارية»، بوصفه «إسلام المجتمع المدني»، و«إسلامًا معتدلًا ومحافظًا»، «وله مصلحة حيوية في الاستقرار السياسيّ والسلم الاجتماعيّ، وهو بالتأكيد غير مهووس بالمشركين والكفار والمرتدين والمجوس (...). إنه إسلامٌ يميل إلى التسامح في الشأن العام، والتشدد في الشأن الشخصي والفردي والخاص»54.

تثير هذه التمييزات المفاهيمية بعض الإشكالات أو الأسئلة، النظرية والمنهجية. وِفقًا للتمييز الأولي بين «الإسلام النصي العقائدي» و«الإسلام السياسيّ»، ثمة هوَّةٌ بين الطرفين لا يمكن ردمها أو جسرها، أو قطيعةٌ لا يمكن (إعادة) الوصل أو الصلة بين طرفيها. وهذه الهوة أو القطيعة ناتجةٌ عن القول بجمود الإسلام الأول، الإسلام القرآني، الإسلام النصي العقائدي. إشكالية القول الأخير تكمن في الاعتقاد بأن لهذا الإسلام معنىً وحيدًا ناجزًا ومكتملًا مسبقًا، وأنه، وفقًا لهذا المعنى، لا يمكن لهذا الإسلام أن يُؤوَّل ويُفهَم بطرقٍ ومضامين جديدةٍ تتناسب مع المستجدات التاريخيّة. وانطلاقًا من هذا المنظور، يبتعد «الإسلام التاريخيّ» عن «الإسلام القرآني العقائدي»، ويتناقض معه، بقدر ما يكون الإسلام التاريخيّ «ديناميكيًّا»، ومتجاوبًا مع البيئات المختلفة، ومتكيفًا مع الأوضاع التاريخيّة المتقلبة، ومتوافقًا، «بدرجةٍ كبيرةٍ، مع كل الأنماط الكبرى من الكيانات السياسيّة والأشكال المتباينة من التنظيم الاجتماعيّ والاقتصادي مما أنتجه التاريخ البشري ورماه في حيوات الشعوب والمجتمعات (...)»55.

ويتقاطع هذا المنظور، تقاطعًا جزئيًّا ونسبيًّا، مع «المنظور السلفي»، الذي لا يرى «الإسلام الحقيقي أو الصحيح» إلا في «الإسلام الأول» أو «إسلام الرسول والخلفاء الراشدين»؛ ويتناقض هذا المنظور، بالتالي، مع أي رؤيةٍ هيرمينوطيقيةٍ تشدِّد على وجود إمكانيةٍ مبدئيةٍ دائمةٍ لتعدد التأويلات وتغير الأفهام، وظهور منظوراتٍ جديدةٍ. وانطلاقًا من تلك الرؤية الهيرمينوطيقية، المُفتقَدة، جزئيًّا ونسبيًّا، في رؤية العظم المذكورة، نرى أن كل أنواع وتجليات «الإسلام التاريخيّ» إنما تتأسس على قراءةٍ ما لهذا «الإسلام الأول»، وتستند إلى إحدى معانيه الممكنة. وفي كل الأحوال، فإن ما يحسم أمر علاقة الإسلام بالحداثة والديمقراطيّة والعلمانيّة، يتعلّق خصوصًا أو تحديدًا، ﺑ «الإسلام التاريخيّ»، وليس ﺑ «الإسلام القرآني أو الأول». وعلى هذا الأساس، نفهم تمييز بشارة، مع آخرين، بين الدين والتدين، ورفضه المبدئي للسؤال، الذي يراه زائفًا، عن مدى تلاؤم الدين مع الديمقراطيّة. فالسؤال ينبغي أن يتناول علاقة التدين، وليس الدين، بحدّ ذاته، بالديمقراطيّة. لكننا نعتقد أنه لا ينبغي فصل مفهوم الدين عن التدين، ولهذا نفضل الحديث عن دينٍ/ إسلامٍ أولٍ، وعن التدين، بوصفه، دين/ إسلامٍ تاريخيٍّ. وعلى الأساس نفسه، نتفهم رفض بعض الباحثين لثنائية «الدين والتدين»، وعدَّها مغالطةً56، لكننا نرى أنه لا ينبغي اختزال الدين إلى التدين، ولا النص إلى تأويلاته؛ ففي الدين/ النص ممكناتٌ لا يمكن للتدين، بوصفه فهمًا أو تأويلًا أو ممارسةً وتطبيقًا، استنفادها.

خامسا. في العلاقة بين العلمانيّة والديمقراطيّة

يثير حديث العظم عن «النموذج العلماني» إشكالية مهمةً تخص مسألة العلاقة بين الديمقراطيّة والعلمانيّة. فهل العلمانيّة سمةٌ من سمات الديمقراطيّة، أم أن الديمقراطيّة هي إحدى عناصر ما يسمى ﺑ «النموذج العلماني»؟ وما معنى أو أهمية هذه الإشكالية؟ وما النتائج الممكنة، نظريًّا وعمليًّا، المترتبة عن المنظورين المرتبطين بها؟

الحديث عن العلمانيّة، بوصفها فصلًا للدين أو السلطة الدينيّة عن الدولة أو السياسة أو السلطة السياسيّة، يعني إمكانية النظر إليها على أنها (مجرد) سمة من سمات الديمقراطيّة. فالديمقراطيّة (الليبرالية) تقوم على مبدأ المواطنة، واحترام الحقوق الفردية، وهذا يعني، فيما يعنيه، المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو العرق ...إلخ، واحترام حقوق الأفراد في الرأي والمعتقد والتعبير عنهما. وفي إطار هذه المساواة بين المواطنين، في الدولة والنظام السياسيّ الديمقراطي (الليبرالي)، تختص العلمانيّة بالمساواة، الدستورية والقانونية والعمليّة، بين المواطنين، بغضِّ النظر عن تدينهم أو عدم تدينهم، وبغض النظر عن نسبهم و/ أو انتسابهم الدينيّ أو المذهبي أو الطائفي.

لكن، إذا كانت الديمقراطيّة هي الغاية من العلمانيّة، في المستوى السياسيّ، فهل تقتضي الديمقراطيّة، بالضرورة، الفصل (الكامل) بين الدين، من جهةٍ، والدولة و/ أو السياسة، من جهةٍ أخرى؟ قد يتعارض تأسُّس الأحزاب أو الخيارات السياسيّة، أو تأسيسها، على أساسٍ دينيٍّ، مع العلمانيّة، بوصفها فصلًا للدين عن السياسة، لكن لا يبدو أن ذلك يتعارض مع الديمقراطيّة بالضرورة؛ إذ يمكن لهذا التأسس أو التأسيس أن يستند إلى قيمٍ (values) دينيّةٍ عامةٍ، وليس إلى قواعد أو معايير (norms) صارمةٍ ومحدَّدةٍ. ويمكن لهذه القيم الدينيّة العامة أن تكون داعمةً لديمقراطيّة النظام السياسيّ، ومنسجمةً مع أسس هذه الديمقراطيّة ومبادئها. في المقابل، قد تتولى الدولة مهمة جمع الزكاة ممن يود ذلك، وتوزيعها على المحتاجين، أو قد تحصر سلطة «إعلان الجهاد/ الحرب» بها، أو قد ترتبط رمزيًّا بالدين، بدون أن يؤثر ذلك في المساواة المواطنية وديمقراطيّة النظام السياسيّ. وعلى هذا الأساس، لا يكون تحديد معنى «العلمانيّة»، بوصفها شرطًا للديمقراطيّة، مسألةً اصطلاحيةً أو اعتباطيةً، كما لا ينبغي لهذا الاختيار أن يتأسس على المعنى اللغوي أو على النشأة التاريخيّة، أو على التحيزات الأيديولوجية/ المعياريّة، فحسب، بل ينبغي، أيضًا وخصوصًا، أن يتأسس على التحليل الفلسفيّ المنطقي لنوع الانفصال أو «الفصل المطلوب»، من جهةٍ أولى، ولإمكانيته وواقعيته ومرغوبيته وضرورته أيضًا، من جهةٍ ثانيةٍ. فعلى سبيل المثال، هل يمكن بالفعل ألا يتأثر الناخبون بانتماءاتهم وثقافتهم الدينيّة، حين يقومون بعمليّة الانتخاب السياسيّة؟ وكيف نفهم الحديث عن اتسام النظام السياسيّ لبعض الدول بالديمقراطيّة والعلمانيّة، مثل بريطانيا وألمانيا، على الرغم من عدم انفصال الدولة عن الكنيسة في بريطانيا، وعدم انفصال الدين عن السياسة، انفصالًا كاملًا، في ألمانيا؟57

يقدم حديث العظم والمسيري58، وغيرهما، عن النموذج العلماني، تصورًا آخر للعلاقة بين العلمانيّة والديمقراطيّة. ووفقًا لهذا التصور، فإن الديمقراطيّة هي إحدى عناصر العلمانيّة، بوصفها نموذجًا (يحتذى). وعلى الرغم من اختلاف مضامين هذا النموذج، بين مفكرٍ وآخر، إلا أن المشترك هو أن الحديث عن «النموذج العلماني» يفضي غالبًا، في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، خصوصًا، إلى إقامة تقابلٍ/ تنافرٍ أيديولوجيٍّ/ معياريٍّ قطبيٍّ مع «النموذج الدينيّ/ الإسلاميّ». ويتخذ هذا التقابل صيغةً معياريّةً مانويةً، بحيث يمثِّل أحد القطبين طرف الخير (المطلق)، في حين يمثِّل القطب الآخر أو المغاير طرف الشر (المطلق). وهذا ما نجده واضحًا عند العظمة والعظم والمسيري، على سبيل المثال.

فعلى الرغم من تشديد العظمة على أن العلمانيّة «ليست مشروعًا مناقضًا ﻟ «المشروع الإسلاميّ»59، فإنه أقام ثنائيةً قطبيةً أيديولوجيةً معياريّةً تشغل العلمانيّة، فيها، قطب العلم، والاعتبار العقلي، والحرية، والضمير الواعي العاقل، والتجدد، والترقي، والحداثة، والتنوير، ... إلخ، في حين يجسد الخطاب المناقض أو المعادي أو المغاير لها قطب الإيمان، والخرافة، والتقليد والنقل، والتخلُّف أو الرجعية، والظلامية، والماضي المتقادم الزائل60.

ونجد الثنائية القطبية ذاتها عند العظم أيضًا، خصوصًا في نصوصه المنشورة في ستينيات القرن الماضي. و(حتى) في حديثه، لاحقًا، عن «النموذج العلماني»، نجده يضع كل القيم «الإيجابية»، المنسوبة إلى عصر التنوير، في «أنموذج معياريّ»، يرى أنه «ملزم ومنتشر، في كل الشؤون المتصلة بالحقوق والمواطنة، والكرامة الإنسانيّة، والديمقراطيّة والمجتمع المدني، ومحاسبة الحكومات، وما شاكل»61.

وثمة ثنائيةٌ معياريّةٌ مانويةٌ مشابهةٌ، في حديث المسيري عن «النموذج العلماني»، بوصفه «علمانيّةً شاملةً»، لكن هناك اختلافٌ أساسيٌّ، في هذا السياق، ينبغي أخذه، في الحسبان. فبالنسبة إلى المسيري، لا يكمن «القطب السلبيّ أو الأسود» في النموذج الدينيّ أو المعادي للعلمانيّة، وإنما في «النموذج العلماني الشامل»، لكون هذا النموذج الاخير «يفصل كل القيم الدينيّة والأخلاقية والإنسانيّة عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تمامًا عن العالم (الإنسان والطبيعة)»62. فعلى العكس من «العلمانيّة الجزئية»، أو العلمانيّة، بوصفها سمةً من سمات النظام السياسيّ (الديمقراطي)، والتي تعني، عند المسيري، «رؤيةً جزئيةً للواقع تنطبق على عالم السياسة وربما على عالم الاقتصاد، ويعبر عنها عادةً بفصل الكنيسة/ المؤسسات الكهنوتية عن الدولة»63، فإن «العلمانيّة الشاملة»، أو «العلمانيّة العدمية»، أو «العلمانيّة الطبيعية/ المادية»، تتضمن رؤيةً شاملةً للكون، ولا تقتصر على فصل الدين عن الدولة، في مجالي السياسة والاقتصاد، بل تذهب بهذا الفصل إلى حدوده القصوى، ليشمل كل مجالات الحياة ومستوياتها.

لهذا التقابل أو التضاد الأيديولوجي، بين العلماني والدينيّ، نتائج سلبيّةٌ غالبًا. ولعل من أبرز هذه النتائج هو اكتساب مفهوم «العلمانيّة» سمعةً سيئةً، وصيتًا سلبيًّا، لدى شرائح واسعةٍ في العالم العربيّ الإسلاميّ. وتكمن أبرز سلبيّات هذا التضاد، في المستوى الأيديولوجي السياسيّ، في تهميش مسألة الديمقراطيّة، وإعطاء مسألة العلمانيّة أولويةً، في هذا الخصوص. وهذا التهميش، أو هذا التأثير السلبيّ، في مسألة العلمانيّة، هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت عددًا من أبرز المفكرين العرب – الجابري وبشارة64، وغليون65، على سبيل المثال – يتحفَّظون على رفع العلمانيّة إلى مستوى الشعار، ويرفضون قطعًا تحولها إلى ما يشبه المذهب أو العقيدة والأيديولوجيا الأساسيّة. ولا يرفض هؤلاء المفكرين شعار العلمانيّة، لأنهم «مرتهنون للطرف المسمى إسلاميّ»66، كما يقول العظمة - الذي ينتقد آراء الجابري في هذا الخصوص، بدون ذكر اسمه67 – ولا لكونهم مناهضين للعلمانيّة «في خطاب نقيضٍ موضوعيًّا لهم، ويشكلون بذلك قوى رديفة لقوى مناهضةٌ لهم موضوعيًّا»68. إن تحفظ هؤلاء المفكِّرين، وغيرهم، على العلمانيّة، بوصفها شعارًا أو مذهبًا سياسيًّا، نابعٌ، جزئيًّا، من قناعتهم بأولوية المسألة الديمقراطيّة، وبأن العلمانيّة، بوصفها أيديولوجيا سياسيّةً، يمكن أن تكون فاشيةً أو استبدادية، أو تُستخدم لتبرير التحالف مع القوى المستبدة والديكتاتورية، وتبرير وجود هذه القوى، وفقًا لمنطق «ضرورة قبول السيء تجنبًا لما هو أسوأ». ولا يتمثل الأسوأ، وفق المنطق العلمانوي، في الاستبداد أو الديكتاتورية، وإنما في وجود أو حضور الدين والقوى الدينيّة، وهيمنتها الممكنة. وليس نادرًا أن يبرَّر الاستبداد، في العالم العربيّ الإسلاميّ، بواسطة إبراز أهمية علمانيته، الفعلية أو المزعومة، ومن خلال الزعم بأن البديل الوحيد له يتمثل في «غولٍ إسلاميٍّ أو إسلامويٍّ».

سادسا. في ضرورة التفكيك

إضافةً إلى التحليل المفاهيمي للمفاهيم التي يتضمنها سؤال العلاقة بين الإسلام والحداثة أو التنوير، والقراءة التأويلية/ الهيرمينوطيقية للنصوص التي تتضمَّن تلك المفاهيم، ثمة فائدةٌ، بل وضرورةٌ، في تفكيك الثنائيات القطبية التي يتضمنها هذا السؤال، وتتناولها تلك النصوص، قبل الإجابة عن هذا السؤال، أو خلال تلك الإجابة، على الأقل. ومن أهم الثنائيات التي نعتقد بضرورة تفكيكها تأتي ثنائية «العلماني/ الدينيّ (الإسلاميّ)»، عمومًا، و«الدولة العلمانيّة/ الدولة الدينيّة»، خصوصًا، بالإضافة إلى ثنائية «التنوير (الحداثي)/ الهداية (الدينيّة)»69. وعلى النقيض من الإقصاء المتبادل بين طرفي أو قطبي هذه الثنائية، وفقًا لتصورات الإسلامويين والعلمانويين لها، وبعيدًا عن الجدل السلبيّ، على الطريقة الأدورنية والدريدية (نسبة إلى أدورنو ودريدا)، نعتقد بوجوب السعي إلى إقامة جدلٍ/ تركيبٍ إيجابيٍّ بين هذه طرفي مثل هذه الثنائيات، وبالإمكانية الفعلية أو المبدئية لإقامة هذا الجدل أو التركيب. وسنقتصر، فيما يلي، على بعض إشارات تفكيك/ تفكك ثنائية «العلماني والدينيّ» أو ثنائية «الدولة الدينيّة الدولة العلمانيّة»، من خلال مفهوم «المدني/ الدولة المدنية». والتفكيك، أو التفكك، بالمعنى الدريدي، يعني، بدايةً، تحديد تقابلٍ مفهوميٍّ تناقضيٍّ، وإبراز التراتبية المعياريّة التي يتضمنها، ثم قلب أو عكس هذه التراتبية، بما يفضي إلى إعادة النظر في العلاقات بين طرفي الثنائية وإظهار تداخلهما واعتماد كلٍّ منهما على الآخر.

1. في تفكيك ثنائية «علماني/ دينيّ»

لوهلةٍ أو أكثر، يحيل مفهوم العلماني، بوصفه صفةً، على غير الدينيّ، أي على ما هو مغاير للدينيّ، أو على اللا-دينيّ، أي على ما هو منافٍ أو مناقضٌ للدينيّ؛ كما يحيل مفهوم الدينيّ، في هذا السياق، على ما هو غير علمانيٍّ أو لا-علماني. وهكذا يُفهم كل مفهوم من خلال مغايرته للآخر أو منافاته له. والمسألة ليست مجرد تناقضٍ وصفيٍّ، بل تتضمن دائمًا، كما رأينا، تراتبيةٍ معياريّةً، تشيطن طرفًا وتُملئك الطرف الآخر. ويبدو ذلك واضحًا عند كل العلمانويين والإسلامويين، على حدٍّ سواءٍ، مع اختلافهم في تحديد الطرف الشيطاني أو المشيطَن، والطرف الملائكي أو المملأك. وهكذا يوجد، لدينا، تراتبيتان متناقضتان، وصفيًّا ومعياريًّا.

ويمكن لتفكيك/ تفكك التراتبية الإسلاموية المعياريّة، للتقابل بين الدينيّ والعلماني، أن يحصل من خلال إظهار/ ظهور المنجزات الكثيرة والكبيرة لغير المتديّنيّن، و/ أو للعلوم غير الدينيّة، ولظهور مجالات غير دينيّةٍ. فغير الدينيّ أو اللا-دينيّ ليس مجرد سمةٍ لكل ما هو مرذولٌ، كما يحاج الأفغاني؛ فمنجزات العلوم الحديثة (غير الدينيّة) سمحت بالكثير من التطورات الإيجابية، وفي توفير الماء والغذاء والدواء والعلاج والمعرفة للمتديّنيّن وغير المتديّنيّن، على حدٍّ سواءٍ. في المقابل، استند متديّنون كثر إلى الدين، في تأييدهم لهذا النظام الاستبدادي أو ذاك. فحتى النازية وجدت تأييدًا من الكنيسة في ألمانيا، وحتى داعش وجدت تأييدًا من متديّنيّن مسلمين، وسندًا من نصوصٍ دينيّةٍ. وسواء حكم رجال الدين مباشرةً، كما هو الحال في إيران ولاية الفقيه مثلًا، أم استُند إلى نصوص الدين وإلى رؤيةٍ دينيّةٍ ما، لتسويغ نظامٍ سياسيٍّ ما، كما هو الحال في السعودية مثلًا، فإن الدين/ التدين يمكن أن يكون حليف الاستبداد.

ويمكن لتفكيك/ تفكك التراتبية العلمانوية المعياريّة، للتقابل بين الدينيّ والعلماني، أن يحصل من خلال إظهار/ ظهور الجذور أو الأسس الدينيّة للعلمانيّة، والجرائم التي ارتكبت باسمها أو نتيجةً لها، والسلبيّات الكثيرة والكبيرة، التي ارتبطت بها، خصوصًا عندما تحولت إلى ما يشبه العقيدة أو الدين ضد الدين والمتديّنيّن. كما يمكن التشديد على أن متديّنيّن كثرًا استندوا، جزئيًّا على الأقل، إلى الدين في مطالبتهم بالديمقراطيّة، والإصلاح السياسيّ والاقتصادي، وتحقيق العدالة، ورفع الظلم الذي يحصل، في إطار حكم أنظمةٍ سياسيّةٍ استبداديةٍ لا-دينيّةٍ/ علمانيّةٍ. وقد دفع كثيرون منهم ثمنًا كبيرًا بسبب مطالباتهم المحقة والمشروعة. فلم يكتفِ الدين/ التدين بأن يكون «أفيونًا للشعوب»، بل كان أيضًا وخصوصًا، «صرخة المضطهدين والمقموعين والمظلومين».

يمكن، وينبغي، لتفكيك التقابل المعياريّ، بين العلماني والدينيّ، أن يترافق مع تفكيكٍ للتمييز الوصفيّ الأيديولوجي بينهما. فليس ثمة تخارجٌ ضروريٌّ بين الدينيّ والعلماني، إذ يمكن للدينيّ أن يتضمن ما هو علمانيٌّ، والعكس صحيحٌ. ومن هنا المعقولية الجزئية والنسبية لمصطلح «العلمانيّة الدينيّة» أو «الدين العلماني». فليس نادرًا الحديث عن أن العلمانيّة كانت ممكنةً في «الغرب المسيحي»، لأن المسيحية، ذاتها، تتضمن فصلًا بين ما هو لقيصر وما هو لله. في المقابل، ليس نادرًا الحديث عن أن الإسلام يتضمن، مسبقًا، ما هو غير دينيٍّ، كالديمقراطيّة والعلمانيّة. وقد تجلى، على سبيل المثال، في حديث حسن حنفي، وغيره، عن «الإسلام العلماني» و«الإسلام الديمقراطي»70.

لا يتضمن تفكيك هذين البعدين -المعياريّ والوصفيّ- نفيًا للعلمانيّة، بوصفها مفهومًا تحليليًّا، وللتمييز المفهومي التحليليّ بين الدينيّ وما يغايره، ولا إنكارًا للعلمنة أو التعلمن، بوصفهما يحيلان على التمايز الواقعي، الجزئي والنسبي، على الأقل، بين الدينيّ وغير الدينيّ. ما يتم تفكيكه خصوصًا أو تحديدًا، في هذا السياق، هو ذلك التقابل الأيديولوجي، الذي يتبناه العلمانويون والإسلامويون، بين دينٍ/ تدينٍ يرفض أو ينبذ كل ما يغايره، من جهةٍ، وعلمانيّةٍ إقصائيةٍ ترى الدين عدوًّا، أو العدو الأساسيّ، في المجال العام، على الأقل، من جهةٍ أخرى.

وعلى الرغم من أن عمليات العلمنة والتعلمن لا تقتصر على الدولة، أو على الجانب السياسيّ، أو على علاقة الدين بالدولة أو بالسياسة، إلا أن الصراع الأيديولوجي يركِّز، غالبًا، على هذا الجانب. ولهذا فإن تفكيك التقابل القطبي، بين العلماني والمدني، في السياق العربيّ- الإسلاميّ، يقتضي، بالضرورة، إيلاء التقابل بين «الدولة العلمانيّة» و«الدولة الدينيّة» أهميةً خاصةً. ففي هذا التقابل، يكون التناقض، بين ما هو علمانيٌّ وما هو دينيٌّ، في أقوى صيغه الوصفيّة النظرية، والسياسيّة أو الأيديولوجية العمليّة، حيث لا يتحدد أي طرفٍ إلا بنفي الطرف الآخر. وفي سعيٍ لتجاوز الجدل السلبيّ، على طريقة أدورنو ودريدا، نقترح إمكانية تجاوز التناقض، بين هذين القطبين، من خلال مفهوم أو مصطلح المدني/ الدولة المدنية، حيث يمكن أن يلعب هذا المصطلح أو المفهوم دور التركيب بين طرفي أو قطبي الجدل المتناقضين.

2. مصطلح «الدولة المدنية» بوصفه دالًّا فارغًا وعائمًا وكثيفًا

تتمتع لفظة «المدنية»، في الثقافة العربيّة، بحمولةٍ قيميةٍ إيجابيةٍ عمومًا، بما يسمح لها بتجاوز التقابل المعياريّ بين «العلماني» و«الدينيّ». والقول بمدنية الدولة يتضمن استبعاد الحديث عن دولةٍ دينيّةٍ، وعن دولةٍ علمانيّةٍ (معاديةٍ للدين)، في الوقت نفسه، ورفضٍ للتخيير بينهما، الذي يتخذ، دائمًا، صيغة القضية العنادية: إما دولةٌ علمانيّةٌ، وإما دولةٌ دينيّةٌ، ولا خيار ثالثٌ. ويختلف المدني عن الدينيّ بدون أن يكون معاديًا أو مناقضًا له، ويتقابل أو يتناقض، جزئيًّا، مع العسكري، و«العسكر» هم من ألد أعداء الديمقراطيّة، في عددٍ من البلاد العربيّة. وتحيل مفردة «المدنية» على مفاهيم الحضارة والثقافة والحداثة، وتتنافى أو تتنافر مع مفاهيم «الهمجية» و«التخلف» وما شابه. ومن المعلوم ارتباط مفهوم الحداثة (السياسيّة) بمفاهيم الديمقراطيّة والعقلانية وحقوق الإنسان العالمية ... إلخ. وتحظى هذه اللفظة أو السمة (للدولة) بقبولٍ «عربيٍّ» واسعٍ نسبيًّا، منذ عصر النهضة، حتى الوقت الراهن71.

المشكلة أو الإشكالية الأساسيّة في مفهوم أو مصطلح «الدولة المدنية»، يكمن في مضمونه الوصفيّ المائع والغامض جدًّا، لدرجةٍ سمحت لكثيرين بجعله مطابقًا، تقريبًا، لمفهوم «الدولة الإسلاميّة»72، في سياقٍ، ومرادفًا أو مماثلًا لمفهوم «الدولة العلمانيّة»73، في سياقٍ آخر. لهذا السبب ولأسبابٍ أخرى، تعرَّض المفهوم أو المصطلح لهجومٍ عنيفٍ تجسَّد، على سبيل المثال، في قول جاد الكريم الجباعي عنه بأنه «تلفيق فكري وتلبيس سياسيّ»74، ينم عن «جهل العلمانيين ومكر الإسلاميّين»75. والتفسير المعرفي لهذا الهجوم العنيف يكمن، جزئيًّا، في أن هذا المصطلح أو المفهوم ليس له وجودٌ يُذكر في الفلسفة والعلوم الاجتماعيّة76.

بعيدًا عن رؤية الجباعي لمصطلح «الدولة المدنية» بأنه «شعارٌ فارغٌ»77، بالمعنى المعياريّ للكلمة، أرى إمكانية الاستناد، الجزئي، إلى إرنستو لاكلاو وشانتال موف78 وجِف هوسمانس79، والتعامل مع هذا المصطلح بوصفه «دالًا فارغًا» Empty signifier و/ أو «دالًا عائمًا» Floating signifier و/ أو «دالًا كثيفًا» Thick signifier، بالمعنى المعرفي الوصفيّ للكلمة. وتتكامل معاني تلك المفاهيم، المستندة إلى ثنائية الدال والمدلول عند فردينان دو سوسور، على الرغم من إمكانية وجود تناقض ظاهريٍّ بينها. وربط السمات الثلاثة المذكورة للدال بمصطلح الدولة المدنية، بوصفه دالًّا، يعني نفي وجود علاقةٍ ماهويةٍ ثابتةٍ بينه وبين مدلوله. وتشير سمة «الكثافة» إلى ارتباط هذا الدال بعددٍ كبيرٍ من المعاني. وتبيِّن سمة «العائم» أن «الأمواج» تتقاذف معانيه الكثيفة وتجعل هذه المعاني متغيرةً، أو قابلةً دائمًا، من حيث المبدأ، للتغير. أما صفة «الفراغ» فتشدد على أنه ليس هناك، بَعد، معنىً ثابتًا أو مهيمنًا فيه أو عليه. فليس هناك معنىً جاهزٌ و/ أو ثابتٌ في مثل هذه المفاهيم أو المصطلحات المرتبطة بالصراعات السياسيّة، وينطبق ذلك، انطباقًا خاصًّا، على مفهوم «الدولة المدنية». ﻓ«فراغ» هذا المفهوم، وتناقض المعاني المنسوبة إليه، يبينان أن الصراع، في خصوصه، لم يُحسم بعد، إلا حسمًا جزئيًّا. والحديث عن جزئية هذا الحسم يعني أن فراغ الدال من المعنى ليس كاملًا، فثمة أساسٌ أوليٌّ يمكن أن يُبنى عليه التركيب الجدلي للتناقض بين العلماني أو الدولة العلمانيّة والدينيّ أو الدولة الدينيّة.

ألا يفضي الحديث عن فراغ الدال، وكونه عائمًا وكثيفًا، إلى زيادة إمكانيات سوء الفهم في النقاشات الدائرة حوله؟ نعتقد أن الإجابة يمكن أن تكون بالنفي، لسببين على الأقل. من ناحيةٍ أولى، إن الإقرار بفراغ الدال، وكونه عائمًا وكثيفًا، يعني الإقرار بأن المعنى ليس ناجزًا مسبقًا، بل بحاجةٍ إلى بناءٍ وتوافقٍ. والبناء والتوافق، هنا، ليسا معرفيين، ومتعلّقين بالأفراد، فحسب، بل يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالأوضاع والصراعات السياسيّة والاجتماعيّة، أيضًا. ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، الفراغ ليس كاملًا، والعوم أو التغير ليس مطلقًا، وتؤشر الكثافة على وجودٍ مسبقٍ لما ينبغي أخذه في الحسبان والانطلاق منه. المعاني، في مثل هذه السياقات، تُبنى، أو ينبغي لها أن تُبنى، لكن عمليّة البناء لا تنطلق من عدمٍ، ولا تتأسس على فراغٍ.

ثمة ضرورةٌ، أو فائدةٌ، في خروج النقاشات الدائرة، في الفكر العربيّ المعاصر، عمومًا، من إطار التحزبات الأيديولوجية المعياريّة الخالصة التي تقسم العالم، مانويًّا، إلى ما هو خيِّرٌ وما شريرٌ، وما هو جيدٌ وما هو سيءٌ. والخروج، الجزئي والنسبي، من تلك التحزبات لا يعني نفي أو إنكار وجود بعدٍ و/ أو أساسٍ أيديولوجيٍّ لتلك النقاشات، وإنما يعني الكشف عن ذلك البعد أو الأساس، من جهةٍ، وضبطه، والبحث عن تسويغه ومسوغاته، معرفيًّا، بما يسمح بفهمٍ ذاتيٍّ أفضل، من جهةٍ، ويفسح المجال للفهم المتبادل، والتفاهم، مع المختلفين، معرفيًّا وأيديولوجيًّا، من جهةٍ أخرى. وانطلاقًا من ذلك الفهم والتفاهم، يمكن للنقاش مع الآخرين، وللاتفاق أو الاختلاف معهم، أن يكون ذا معنىً، معرفيًّا على الأقل.

قائمة المراجع

احجيج، حسن. «مغالطة ثنائية الدين/التدين في ضوء نظرية الممارسة المستلهمة من فلسفة فتغنشتاين المتأخرة». مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 31/03/2015، ص 1-23، شوهد في 15/06/2021، في: https://bit.ly/3nc2Jsi

أركون، محمد. العلمنة والدين، الإسلام. المسيحية. الغرب. ط 3. بيروت/ لندن: دار الساقي، 1996.

الأفغاني، جمال الدين الحسيني. رسالة الرد على الدهريين، ترجمة محمد عبده، تحقيق أحمد ماجد. بيروت: دار المعارف الحكمية، 2017.

الأنصاري، أحمد بوعشرين. «مفهوم الدولة المدنية في الفكر الغربي والإسلاميّ: دراسة مقارنة لبعض النصوص التأسيسية»، الدوحة: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، أبريل 2014.

برقاوي، أحمد. «قول في العلمانيّة والمدنية»، صحيفة البيان، 21/04/2018 شوهد في 15/06/2021، في: https://bit.ly/3jSVrYB

البستاني، بطرس. نفير سورية. بيروت: دار فكر للأبحاث والنشر، 1990.

بشارة، عزمي. الدين والعلمانيّة في سياقٍ تاريخيٍّ، الجزء الأول. الدين والتدين. بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2013.

________. «مدخل إلى معالجة الديمقراطيّة وأنماط التدين»، في: حول الخيار الديمقراطي. دراسات نقدية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1994، ص 55-158.

بينارد، شيريل. الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والموارد والاستراتيجيات، ترجمة إبراهيم عوض، مراجعة وتحليل عبد الرحمن الداخل. القاهرة: تنوير للنشر والإعلام، 2013.

الجابري، محمد عابد. الدين والدولة وتطبيق الشريعة بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1996.

________. وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربيّ المعاصر. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1992.

الجباعي، جاد الكريم. «جاد الكريم الجباعي: بعد ثقافة العبيد تأتي ثقافة الحرية». صحيفة العرب. 12/04/2015، شوهد في 15/06/2021، في https://bit.ly/2VnoolQ

________. «العلمانيّة من منظور الدولة الوطنية». مركز آفاق للبحوث والدراسات. 18/01/2012، شوهد في 15/06/2021، في https://bit.ly/3zUdAed

________.«’الدولة المدنية’ تلفيق فكري وتلبيس سياسيّ بقلم جاد الكريم الجباعي». سودارس. 23/07/2012، شوهد في 15/06/2021، في https://bit.ly/3jSW4RX

حنفي، حسن ومحمد عابد الجابري. حوار المشرق والمغرب. نحو إعادة بناء الفكر القوميّ العربيّ. بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، 1990.

حوراني، ألبرت. الفكر العربيّ في عصر النهضة 1798 – 1939. ترجمة كريم عزقول. بيروت: دار النهار للنشر، [د.ت.].

درويش، حسام الدين. «العلاقة بين الفلسفة والدين، بين الديمقراطيّة والإسلام: في ضرورة التحليل المفاهيمي والنقدي». مجلة قلمون. العدد 8 (أبريل 2019)، ص 277-284.

________. إشكالية المنهج في هيرمينوطيقا بول ريكور وعلاقتها بالعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة: نحو تأسيس هيرمينوطيقا للحوار. الدوحة: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2016.

________. «النقاب بوصفه مشكلةً وإشكاليةً: بين الهداية والتنوير (مناقشة نقدية لمقالة أ. رجاء بن سلامة)». موقع الأوان. 8/12/2013، في: https://bit.ly/3yWxFz7

روا، أوليفييه. الجهل المقدس: زمن دين بلا ثقافة. ترجمة صالح الأشمر. بيروت: دار الساقي، 2011.

طرابيشي، جورج. هرطقات عن الديمقراطيّة والعلمانيّة والحداثة والممانعة العربيّة. بيروت: دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب، 2006.

عبد الرحمن، طه. بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين. بيروت: الشبكة العربيّة للأبحاث، 2014.

العظم، صادق جلال. «الدولة العلمانيّة والمسألة الدينيّة: تركيا نموذجًا»، مجلة الدراسات الفلسطينية. العدد 82 (2010)، ص 14-23.

________. الإسلام والنزعة الإنسانيّة العلمانيّة، ترجمة فالح عبد الجبار. دمشق/ بيروت/ بغداد: دار المدى، 2007.

________. ما بعد ذهنية التحريم. قراءة ’الآيات الشيطانية‘، رد وتعقيب. ط 2. بيروت: دار المدى، [1997] 2004.

________. ذهنية التحريم. سلمان رشديّ وحقيقة الأدب. ط 3. بيروت: دار المدى، [1992] 1997.

________. نقد الفكر الدينيّ. طبعة ثانية مع ملحق بوثائق محاكمة المؤلف والناشر. بيروت: دار الطليعة، [1969] 1970.

________. النقد الذاتيّ بعد الهزيمة. ط 4. بيروت: دار الطليعة، [1968] 1970.

________. الحب والحب العذري. ط 8. دمشق/ بيروت/ بغداد: دار المدى، [1968] 2007.

العظمة، عزيز. دنيا الدين في حاضر العرب. بيروت: دار الطليعة، 1999.

________. العلمانيّة من منظور مختلف. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط. 2، 1998.

________. الأصالة أو سياسة الهروب من الواقع. بيروت: دار الساقي، 1992.

غليون، برهان وأمين، سمير. حوار الدولة والدين. بيروت: المركز الثقافي العربيّ، 1996.

غليون، برهان وآخرون. حول الخيار الديمقراطي. دراسات نقدية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1994.

غليون، برهان. نقد السياسة: الدولة والدين. ط 4. بيروت: المركز الثقافي العربيّ، [1994] 2007.

كازانوفا، خوسيه. الأديان العامة في العالم الحديث، ترجمة قسم اللغات الحية والترجمة في جامعة البلمند. مراجعة بولس وهبة. بيروت: المنظمة العربيّة للترجمة، 2005.

لوك، جون. في الحكم المدني. ترجمة ماجد فخري. بيروت: اللجنة الدولية لترجمة الروائع، 1959.

لويس، برنارد. أين الخطأ؟ التأثير الغربي واستجابة المسلمين. ترجمة محمد عناني. دراسة وتقديم رءوف عباس. القاهرة: سطور، 2003.

محمود، صبا. الاختلاف الدينيّ في عصر علماني: تقرير حول الأقليات. ترجمة كريم محمد. بيروت: مركز نماء للبحوث والأبحاث، 2018.

المسيري، عبد الوهاب. العلمانيّة الجزئية والعلمانيّة الشاملة. 2 مجلدات. القاهرة: دار الشروق، 2002.

المسيري، عبد الوهاب وعزيز العظمة. العلمانيّة تحت المجهر. بيروت/ دمشق: دار الفكر، 2000.

المركز العربيّ Arab Center. «السياقات التاريخيّة لنشوء العلمانيّة -عزمي بشارة». موقع اليوتوب، 23/05/2012، شوهد في 15/06/2021، في: https://bit.ly/3na8nLL

هابرماس، يورغين. مستقبل الطبيعة الإنسانيّة: نحو نسالة ليبرالية. ترجمة جورج كتّورة، مراجعة أنطوان الهاشم. بيروت: المكتبة الشرقية، 2006.

Holyoake, George Jacob. Principles of Secularism. 3rd ed. revised. London, Austin & Co., 1870.

Huysmans, Jef. “Security! What do you Mean? From Concept to Thick Signifier”. European Journal of International Relations. no. 4, issue. 2 (1998), p. 226-255.

Gadamer, Hans-Georg. “Text and Interpretation”. Dennis J. Schmidt & Richard Palmer (trans.). in: Diane P. Michelfelder & Richchard E. Palmer (eds.). Dialogue and Deconstruction: The Gadamer-Derrida Encounter. New York: State University of New York Press, 1989, p. 21-51.

Gauchet, Marcel. Le désenchantement du monde : Une histoire politique de la religion. Paris : Gallimard, 1985.

Kleine, Christoph & Monika Wohlrab-Sahr. “Research Programme of the HCAS ‘Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities”. Kolleg-Forschungsgruppe Multiple Secularities. Universität Leipzig. 03/2016, accessed at 15/06/2021, at: https://bit.ly/3tn8zID

Laclau, Ernesto. Mouffe, Chantal. Hegemony and Socialist Strategy. Towards a Radical Democratic Politics. London: Verso, 1985 [2014].

Laclau, Ernesto. On Populist Reason. Verso: London, 2005.

Kirchin, Simon. Thick Evaluation. Oxford: Oxford University Press, 2017.

____________ (ed.), Thick Concepts. Oxford: Oxford University Press, 2013.

Lewis, Bernard. What Went Wrong? Western Impact and Middle Eastern Response. London: Phoenix, 2002.

Väyrynen, Pekka, The Lewd, the Rude and the Nasty: A Study of Thick Concepts. New York: Oxford University Press, 2013.


11 يُنظر: عزمي بشارة، «مدخل إلى معالجة الديمقراطيّة وأنماط التدين»، في: برهان غليون وآخرون، حول الخيار الديمقراطي. دراسات نقدية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1994)، ص 57-58؛ عزمي بشارة، الدين والعلمانيّة في سياقٍ تاريخيّ، الجزء الأول. الدين والتدين (بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، ص 7-9.

2 يُنظر: حسن حنفي، «الإسلام لا يحتاج إلى عِلمانيةٍ غربيةٍ»، في: حسن حنفي ومحمد عابد الجابري، حوار المشرق والمغرب. نحو إعادة بناء الفكر القوميّ العربيّ (بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، 1990)، ص 38.

3 Bernard Lewis, What Went Wrong? Western Impact and Middle Eastern Response (London: Phoenix, 2002);

برنارد لويس، أين الخطأ؟ التأثير الغربي واستجابة المسلمين، ترجمة محمد عناني، دراسة وتقديم رءوف عباس (القاهرة: سطور، 2003).

4 Hans-Georg Gadamer, “Text and Interpretation”, Dennis J. Schmidt & Richard Palmer (trans.), in: Diane P. Michelfelder & Richchard E. Palmer (eds.), Dialogue and Deconstruction: The Gadamer-Derrida Encounter (New York: State University of New York Press, 1989), p. 21-51, p. 33.

5 تقوم هذه الأخلاق على مجموعةٍ من المبادئ، من أهمها «مبدأ الإنصاف الهيرمينوطيقي» (جورج فريدريك ماير وألكسندر غوتليب باومغارتن)، «مبدأ الإحسان» (نايل ويلسون ويليام كواين ودونالد ديفيدسون)، «التصوُّر المُسبَق للاكتمال أو التصوُّر المسبق للاتِّساق الكامل» (غادامر). للمزيد، يُنظر حسام الدين درويش، إشكالية المنهج في هيرمينوطيقا بول ريكور وعلاقتها بالعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة: نحو تأسيس هيرمينوطيقا للحوار (الدوحة: الركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2016)، ص 478-499.

6 Cf. Simon Kirchin, Thick Evaluation (Oxford: Oxford University Press, 2017); Simon Kirchin (ed.) Thick Concepts (Oxford: Oxford University Press, 2013); Väyrynen, Pekka, The Lewd, the Rude and the Nasty: A Study of Thick Concepts in Ethics (New York: Oxford University Press, 2013).

7 بطرس البستاني، نفير سورية (بيروت: دار فكر للأبحاث والنشر، 1990).

8 جمال الدين الحسيني الأفغاني، رسالة الرد على الدهريين، ترجمة محمد عبده، تحقيق أحمد ماجد (بيروت: دار المعارف الحكمية، 2017).

9 البستاني، ص 57.

10 الأفغاني، ص 132.

11 من الجدير بالذكر أن الأفغاني لم يستعمل مفردة «العلمانيّة» وما يتصل بها من اشتقاقات، وإنما استعمل مفردتي «الطبيعيين» و«الدهريين»، بالدرجة الأولى. وما زالت مفردة الدهرية – بوصفها مقابلًا أو ترجمةً لكلمة secularism، مفضَّلة لدى الكثير من المفكرين الإسلاميّين و/ أو المعادين أو المنتقدين للعلمانيّة. ولعل المثال الأبرز أو الأشهر لحضور هذه الكلمة في الفكر العربيّ (الإسلاميّ) المعاصر، نجده لدى طه عبد الرحمن، الذي فضَّل إضافة السمة الأيديولوجية للكلمة، فتحدث عن «الدهرانية». يُنظر: طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين (بيروت: الشبكة العربيّة للأبحاث، 2014). ويرد لفظ «الدهرانية»، للتعبير عن العلمانيّة، لدى الكثير من المفكرين غير الإسلاميّين؛ يُنظر على سبيل المثال: برهان غليون، «الدين بين النقد الإيديولوجي والنقد التاريخيّ»، في: برهان غليون وسمير أمين، حوار الدولة والدين (بيروت: المركز الثقافي العربيّ، 1996)، ص 37-77، ص 45. ومن المعروف أن مفهوم «الدهريين» مصطلح قرآني، وهو مع مفردة «الطبيعيين» يحيلان، في الفكر العربيّ الإسلاميّ – لدى الشهرستاني والغزالي والزمخشري وابن تيمية، على سبيل المثال - إلى «الملحدين» أو «الكافرين». ومن المهم أن نتذكر، في هذا السياق، أن جورج يعقوب هوليوك قد صاغ مفردة “secularism” لتكون بديلًا، ذا معنى إيجابي معياريًّا، عن مفردة «الإلحاد»، ذات الدلالات السلبيّة، من منظورٍ ما. يُنظر:

George Jacob Holyoake, Principles of Secularism, 3rd ed. revised (London, Austin & Co., 1870), p. 8.

12 الأفغاني، ص 132.

13 عبد الوهاب المسيري، «مصطلح العلمانيّة»، في: عبد الوهاب المسيري وعزيز العظمة، العلمانيّة تحت المجهر (بيروت/ دمشق: دار الفكر، 2000)، ص 11.

14 محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربيّ المعاصر (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1992)، ص 102؛ وقد أعاد الجابري نشر النصوص المتعلّقة بالعلمانيّة والدين والدولة، التي يتضمنها الكتاب السابق، في كتابٍ لاحقٍ، يُنظر: الجابري، الدين والدولة وتطبيق الشريعة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1996).

15 الجابري، وجهة نظر، ص 102.

16 المرجع نفسه، ص 106.

17 محمد عابد الجابري، «الإسلام ليس كنيسةً كي نفصله عن الدولة»، في: حنفي والجابري، ص 44.

18 يتبنى هذا التعريف، والمحاجة القائمة عليه، الكثير من المفكرين الإسلاميّين. وهذا ما فعله على سبيل المثال، حنفي في حواره مع الجابري، يُنظر: حسن حنفي، «الإسلام لا يحتاج إلى عِلمانيةٍ غربيةٍ»، في: المرجع نفسه، ص 39.

19 حنفي والجابري، حوار، ص 39-44.

20 الجابري، وجهة نظر، ص 106.

21 جورج طرابيشي، هرطقات عن الديمقراطيّة والعلمانيّة والحداثة والممانعة العربيّة (بيروت: دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب، 2006)، ص 67.

22 المرجع نفسه، ص 68.

23 المسيري والعظمة، العلمانيّة تحت المجهر.

24 العظمة، «العلمانيّة في الفكر العربيّ المعاصر»، في: المرجع نفسه، ص 153.

25 يعنون العظمة القسم الأول من مناظرته مع المسيري «السطحية في التناول»، يُنظر: المرجع نفسه، ص 155-168.

26 المرجع نفسه، حاشية في ص 154.

27 الكتب المشار إليها هي: عزيز العظمة، العلمانيّة من منظور مختلف (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط. 2، 1998)؛ دنيا الدين في حاضر العرب (بيروت: دار الطليعة، 1999)؛ الأصالة أو سياسة الهروب من الواقع (بيروت: دار الساقي، 1992).

28 نستند، في إقامة هذه التمييزات، إلى برنامج بحث مشروع «علمانيات متعددة: ما وراء الغرب، ما وراء الحداثات». يُنظر:

Christoph Kleine & Monika Wohlrab-Sahr, “Research Programme of the HCAS ‘Multiple Secularities – Beyond the West, Beyond Modernities”, Kolleg-Forschungsgruppe Multiple Secularities, Universität Leipzig, 03/2016, accessed at 15/06/2021, at: https://bit.ly/3tn8zID

29 العظمة، العلمانيّة تحت المجهر، ص 158.

30 المرجع نفسه، ص 155.

31 التمييز بين هذين المفهومين يحصل، غالبًا، في سياق ترجمة النصوص المكتوبة باللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية تحديدًا). يُنظر على سبيل المثال الترجمة عن اللغة الفرنسية: محمد أركون، العلمنة والدين، الإسلام. المسيحية. الغرب، ط 3 (بيروت/ لندن: دار الساقي، 1996، ص 74)؛ والترجمة عن اللغة الإنجليزية: صبا محمود، الاختلاف الدينيّ في عصر علماني: تقرير حول الأقليات، ترجمة: كريم محمد (بيروت: مركز نماء للبحوث والأبحاث، 2018). أما غياب التمييز، أو تغييبه، فيحصل حتى في النصوص التي تحاول توضيح دلالات المفهوم/ المصطلح، وإزالة الالتباس، في خصوص معانيه ودلالاته، الأساسيّة والثانوية، الوصفيّة والمعياريّة.

32 العظمة، العلمانيّة تحت المجهر، ص 270.

33 المرجع نفسه، ص 160.

34 المرجع نفسه، ص 168.

35 المرجع نفسه، ص 276.

36 المرجع نفسه، ص 266.

37 المرجع نفسه، ص 179.

38 المرجع نفسه، ص 219.

39 المرجع نفسه، ص 223.

40 المرجع نفسه، ص 221.

41 المرجع نفسه، ص 224.

42 المرجع نفسه، ص 219.

43 المرجع نفسه، ص 154.

44 المرجع نفسه، ص 155-156. التشديد من عندنا.

45 يُنظر خصوصًا: صادق جلال العظم، النقد الذاتيّ بعد الهزيمة، ط 4، (بيروت: دار الطليعة، [1968] 1970)؛ الحب والحب العذري، ط 8 (دمشق/ بيروت/ بغداد: دار المدى، [1968] 2007)؛ نقد الفكر الدينيّ. طبعة ثانية مع ملحق بوثائق محاكمة المؤلف والناشر، (بيروت: دار الطليعة، [1969] 1970).

46 Cf. Marcel Gauchet, Le désenchantement du monde: Une histoire politique de la religion (Paris: Gallimard, 1985).

47 خوسيه كازانوفا، الأديان العامة في العالم الحديث، ترجمة قسم اللغات الحية والترجمة في جامعة البلمند، مراجعة بولس وهبة (بيروت: المنظمة العربيّة للترجمة، 2005).

48 يُنظر على سبيل المثال: أوليفييه روا، الجهل المقدس: زمن دين بلا ثقافة، ترجمة صالح الأشمر (بيروت: دار الساقي، 2011).

49 يُنظر: يورغين هابرماس، «الإيمان والمعرفة»، في: مستقبل الطبيعة الإنسانيّة: نحو نسالة ليبرالية، ترجمة جورج كتّورة، مراجعة أنطوان الهاشم (بيروت: المكتبة الشرقية، 2006)، ص 123-139.

50 صادق جلال العظم، ذهنية التحريم. سلمان رشديّ وحقيقة الأدب، ط 3 (بيروت: دار المدى، [1992] 1997)؛ ما بعد ذهنية التحريم. قراءة ’الآيات الشيطانية‘، رد وتعقيب، ط 2 (بيروت: دار المدى، [1997] 2004).

51 صادق جلال العظم، الإسلام والنزعة الإنسانيّة العلمانيّة، ترجمة فالح عبد الجبار، (دمشق/بيروت/بغداد: دار المدى، 2007).

52 يُنظر: صادق جلال العظم، «الدولة العلمانيّة والمسألة الدينيّة: تركيا نموذجًا»، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 82 (2010)، ص 14-23، ص 13-15.

53 العظم، الإسلام، ص 5-6.

54 العظم، «الدولة العلمانيّة»، ص 14.

55 العظم، الإسلام، ص 14.

56 يُنظر: حسن احجيج، «مغالطة ثنائية الدين/التدين في ضوء نظرية الممارسة المستلهمة من فلسفة فتغنشتاين المتأخرة»، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 31/03/2015، ص 1-23، شوهد في 15/06/2021، في:
https://bit.ly/3nc2Jsi

57 يُنظر: حسام الدين درويش، «العلاقة بين الفلسفة والدين، بين الديمقراطيّة والإسلام: في ضرورة التحليل المفاهيمي والنقدي»، مجلة قلمون، العدد 8 (نيسان/ أبريل 2019)، ص 277-284، ص 282.

58 عبد الوهاب المسيري، العلمانيّة الجزئية والعلمانيّة الشاملة، 2 م (القاهرة: دار الشروق، 2002).

59 العظمة، العلمانيّة تحت المجهر، ص 266.

60 المرجع نفسه، ص 155-156.

61 العظم، الإسلام، ص 5.

62 المسيري، العلمانيّة الجزئية، م 2، ص 472.

63 يُنظر: المرجع نفسه، ص 471-472.

64 يُنظر: المركز العربيّ Arab Center، «السياقات التاريخيّة لنشوء العلمانيّة -عزمي بشارة»، موقع اليوتوب، 23/05/2012، شوهد في 15/06/2021، في: https://bit.ly/3na8nLL

65 يُنظر: على سبيل المثال، برهان غليون، نقد السياسة: الدولة والدين، ط 4 (بيروت: المركز الثقافي العربيّ، [1994] 2007)، ص 361-367.

66 العظمة، العلمانيّة تحت المجهر، ص 220.

67 يُنظر: المرجع نفسه، ص 218 وما يليها.

68 المرجع نفسه، ص 224.

69 سنقتصر فيما يلي، على التركيز على تفكيك ثنائية «الدينيّ/ العلماني»، لكننا نرى أن هذا التفكيك يمكن أن يندرج في إطار تفكيك العلاقة بين الحداثة والتنوير من جهةٍ، والدين وهدايته، من جهةٍ أخرى. ومن الضروري الانتباه، في هذا الخصوص، إلى الأسس المعياريّة المشتركة بين خطابي الهداية والتنوير، وإظهار المنطق المتعالي والمؤسس الذي يتحدث من خلاله، وانطلاقًا منه، كلا الخطابين. والقواسم المشتركة بين التنوير والهداية أكبر ممّا قد يُتصوَّر للوهلة الأولى: «فكلاهما يملك حقيقةً لا تتسامح، غالبًا، مع من يخالفها أو يختلف عنها، ولا تعترف بوجود حقيقةٍ غيرها، ولا بمن يعتقد بتلك الحقيقة المزعومة. كلاهما يسعى لتحرير البشر، أفرادًا وجماعاتٍ، من الجهل والتخلف. وكلاهما يتناول وعي الفريق الآخر، بوصفه وعيًا مأزومًا أو مريضًا أو جاهلًا بمصلحته الخاصة، وبما يجب عليه فعله أصلًا؛ ولهذا كان من الضروري تنوير هذا الوعي أو هدايته إلى الطريق القويم أو الصراط المستقيم. كلا الخطابين يخلو من التسامح، ناهيك عن الاعتراف، الذي يعني القبول الإرادي والودي باختلاف الآخر. وكلاهما ينظر بنوعٍ من الدونية إلى الآخر المختلف عنه، فهم يعتبرونه كافرًا أو جاهلًا أو كلا الأمرين معًا. كلاهما يعتقد امتلاكه القدرة على الكشف عن أمراض الوعي عند الآخر، والدواء المناسب لهذه الأمراض؛ ولهذا يفرضان نوعًا من الوصاية عليه، وهي وصايةٌ أشبه بوصاية الطبيب على المريض. وما على المريض في هذه الحالة إلا اتباع وصفات التنويري أو الشيخ، وفتاويهما، التي ستوصله إلى الشفاء حتمًا». يُنظر: حسام الدين درويش، «النقاب بوصفه مشكلةً وإشكاليةً: بين الهداية والتنوير (مناقشة نقدية لمقالة أ. رجاء بن سلامة)»، موقع الأوان، 8/12/2013، في: https://bit.ly/3yWxFz7

70 يُنظر على سبيل المثال: شيريل بينارد، الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والموارد والاستراتيجيات، ترجمة إبراهيم عوض، مراجعة وتحليل عبد الرحمن الداخل (القاهرة: تنوير للنشر والإعلام، 2013).

71 يشير ألبرت حوراني إلى أن فكرة المدنية «قد دخلت العالم الإسلاميّ خصوصًا بواسطة الأفغاني»، يُنظر: ألبرت حوراني، الفكر العربيّ في عصر النهضة 1798 – 1939، ترجمة كريم عزقول (بيروت: دار النهار للنشر، [د.ت.])، ص 144. وفي عصر النهضة، كانت مفردة مدنية سائدةً، وذات دلالاتٍ إيجابيةٍ عمومًا، لدى المتديّنيّن وغير المتديّنيّن، على حدٍّ سواءٍ، مثل محمد عبده فرح أنطون ورشيد رضا وفرنسيس المراش، على سبيل المثال. ويرى عزيز العظمة أن مصطلح «المدنية» كان يستخدم، في كثيرٍ من الأحيان، ليدل على ما نعنيه اليوم غالبًا بمصطلح «العلمانيّة»، وأنَّ كلمة «العلمانيّة» حلت محل كلمة «المدنية»، تحديدًا أو خصوصًا، بحيث أفضى انتشار الكلمة الأولى إلى تراجعٍ، جزئيٍّ ونسبيٍّ، في تداول الكلمة الثانية وانتشارها. يُنظر: عزيز العظمة، العلمانيّة من منظور مختلف، ص 17.

72 يُنظر على سبيل المثال: أحمد بوعشرين الأنصاري، «مفهوم الدولة المدنية في الفكر الغربي والإسلاميّ: دراسة مقارنة لبعض النصوص التأسيسية»، المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 04/2014، شوهد في 15/06/2021، في: https://bit.ly/3zTE1kc

73 يقول أحمد برقاوي، على سبيل المثال: «إذا كان البعض يتكدر من مصطلح العلمانيّة، ويفضل مصطلح المدنية، فليكن. وعندها سيكون مصطلحا العَلمانية والمدنية مترادفين، لأن جوهرهما واحد»، يُنظر: أحمد برقاوي، «قول في العلمانيّة والمدنية»، صحيفة البيان، 21/04/2018 شوهد في 15/06/2021، في: https://bit.ly/3jSVrYB

74 ربما يمكن أن نستثني، نسبيًّا، حديث جون لوك عن الحكومة المدنية civil government. يُنظر: جون لوك، في الحكم المدني، ترجمة ماجد فخري (بيروت: اللجنة الدولية لترجمة الروائع، 1959).

75 جاد الكريم الجباعي، «جاد الكريم الجباعي: بعد ثقافة العبيد تأتي ثقافة الحرية»، صحيفة العرب، 12/04/2015، شوهد في 15/06/2021، في https://bit.ly/2VnoolQ

76 جاد الكريم الجباعي، «’الدولة المدنية’ تلفيق فكري وتلبيس سياسيّ بقلم جاد الكريم الجباعي»، سودارس، 23/07/2012، شوهد في 15/06/2021، في https://bit.ly/3jSW4RX

77 جاد الكريم الجباعي، «العلمانيّة من منظور الدولة الوطنية»، مركز آفاق للبحوث والدراسات، 18/01/2012، شوهد في 15/06/2021، في https://bit.ly/3zUdAed

78 Cf. Ernesto Laclau & Chantal Mouffe, Hegemony and Socialist Strategy. Towards a Radical Democratic Politics (London: Verso, 1985 [2014]); Ernesto Laclau, On Populist Reason (London: Verso, 2005).

79 Cf. Jef Huysmans, “Security! What do you Mean? From Concept to Thick Signifier”, European Journal of International Relations, no. 4, issue. 2 (1998), p. 226-255.