جورج طرابيشي:

قراءة معاصرة للعقلانيّة والأنوار

في الحضارة الإسلاميّة

وسيم سلمان*

doi:10.17879/mjiphs-2022-3901

تنطلق هذه الدراسة للعقلانية والأنوار في الفكر الإسلاميّ من كتابات المفكر السوري جورج طرابيشي (1939-2016)، ودفاعه عن حرية الفكر والفلسفة والإبداع. كرّس طرابيشي ربع قرن من حياته لمجادلة كاتب نقد العقل العربيّ محمد عابد الجابري الذي يؤكد تناقض الفكر العربيّ الإسلاميّ مع الفلسفة، معيدًا بذلك إنتاج الرأي نفسه الذي تبناه عدد من الفلاسفة والمُستشرقين الأوروبيين. تهدف هذه الورقة إظهار وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، من خلال الرد الذي قدَّمه طرابيشي على نظرية الجابري، كما سنبين البنية العقلانية للفلسفة المشرقيّة ومرجعيتها الأرسطوطاليّة، مؤكدين وحدة العمل الفلسفيّ في شقيه السني والشيعي وتشابه وسائل البحث وأهدافها.

كلمات مفتاحية: جورج طرابيشي؛ محمد عابد الجابري؛ الفلسفة الإسلاميّة؛ العقلانية

* أستاذ بالمعهد البابوي للدراسات العربيّة والإسلاميّة، روما.

Georges Tarabichi:

A contemporary reading of rationality and enlightenment in Islamic civilization

Wasim Salman*

This study of rationality and enlightenment in Islamic thought is based on the writings of the Syrian thinker George Tarabishi (1939-2016) and his defense of freedom of thought, philosophy and creativity. Tarabishi devoted a quarter of a century of his life to arguing with the writer of Critique of Arab Reason Mohammed Abed al-Jabri, who confirmed the contradiction of Arab-Islamic thought with philosophy. This paper aims to underline the unity of the Arab-Islamic Reason, through tarabishi›s response to al-Jabri›s theory, and to emphasize the rational structure of oriental philosophy and its Aristotelian reference.

Keywords: Georges Tarabichi; Mohammed Abed al-Jabri; Islamic philosophy; rationality

* Professor at Pontifical Institute of Arab and Islamic Studies, Rome.

تنطلقُ دراستنا للعقلانيّة والأنوار في الفكر الإسلاميّ مِن كتابات المفكر السوري جورج طرابيشي (1939-2016) المعروف بفولتير العرب، ودفاعه عن حريّة الفكر والفلسفة والإبداع. ترجم عددًا من أعمال فرويد للعربيّة، كما يُعدُّ فيلسوفًا وناقدًا أدبيًّا رفيع المستوى ومُناضلًا ضدّ كل أنواع التطرُّف الدينيّ1. كرّس طرابيشي رُبع قرنٍ من حياته لمُجادلة كاتب نقد العقل العربيّ محمد عابد الجابري الذي يؤكد تناقض الفكر العربيّ الإسلاميّ مع الفلسفة، فهذه الأخيرة يونانيّة بطبيعتها، وجدتْ إطارها الملائم في أوروبا المسيحيّة2.

لا شكّ أنَّ المفكرين العرب قد تأثّروا بنقد الحداثة للدين وبمفكرين مثل أرنست رينان الذي رأى في الفلسفة مُنتجًا غريبًا عن الحضارة الإسلاميّة، ورأى في فلاسفة العرب سُفراء يونان دُخلاء على بلاد المسلمين. كما ساهمتْ كتابات المُستشرقين بِتعميق الهُوّة بين الشرق والغرب فاختاروا من التاريخ الإسلاميّ كل ما يُعارِض العقل والفلسفة.

يهدف هذا البحث لإظهار وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ويقوم منهجنا على إعادة قراءة التُراث العربيّ وتحديد مكانة العقل والفلسفة وقيم الأنوار، خلافًا لتحليلات المستشرقين ومنْ تبع نهجهم من المفكرين العرب المعاصرين. كما سنُبيِّن البنية العقلانيّة للفلسفة المشرقيّة ومرجعيتها الأرسطوطاليّة، مُؤكدين وحدة العمل الفلسفيّ في شقيه السُنيّ والشيعي وتشابه وسائل البحث وأهدافها.

أولًا. الفلسفة بين المسيحيّة والتراث العربيّ الإسلاميّ

تجدر الإشارة إلى أنَّ الثقافة الأوروبيّة صادرتْ العقلانيّة والتراث اليونانيّ منذ مطلع عصر النهضة، فغدا الغرب مركزًا لسائر حضارات العالم القديم والوسيط. في حين أنَّ التراث اليونانيّ لا ينتمي للغرب بل لحضارة حوض شرقيّ البحر الأبيض المتوسط، أو كما يسميها طرابيشي نسبة للأصول اللغويّة «بالدائرة الآرساميّة»، وتشمل اليونان وآسيا الصغرى وسوريا وما بين النهرين ووادي النيل والقسم الشرقيّ من شمال إفريقيا3. ويؤكّد طرابيشي حقيقةً تاريخيّةً وهي: «أن العقل العربيّ، تجمعه والعقل اليونانيّ شراكة، وهذا ليس فقط في لحظة التدوين اللاحقة، بل ابتداءً من البداية، من لحظة التكوين الأولى في رحم الحوض الشرقيّ للبحر المتوسط»4.

مثَّلتْ اليونانيّة على مدى ألف سنة أداةً للإنتاج الثقافي في فضاءٍ اتّسم بالازدواجيّة اللغويّة امتدَّ إلى أنطاكية والإسكندرية وغيرها من المدن الهلنستيّة. السُؤال الذي يطرحه طرابيشي هو الآتي: هل المقصود بالعقل اليونانيّ العقل الذي أنتج الثقافة المكتوبة باليونانيّة أم العقل اليونانيّ بالمعنى العِرقي للكلمة والذي تركزتْ بؤرة إنتاجه الثقافي في أثينا وجنوب اليونان ما بين القرن الخامس والقرن الثالث قبل الميلاد؟ العربيّة بدورها كانتْ لغة دين وثقافة مكتوبة بالنسبة لكثير من الشعوب التي اعتنقتْ الإسلام بدون أنْ تتعرَّب في حياتها القوميّة، فالرازي والفارابي وابن سينا فكروا وكتبوا بالعربيّة دون أنْ يتحولوا إلى عرب بالمعنى القوميّ أو الإثني للكلمة. كما يُلاحظ طرابيشي عدم انسجام الكثير من الكتابات اليونانيّة والتراث اليونانيّ الفلسفيّ، فرؤية المسيحيّة للعالم ولو كُتِبتْ باليونانيّة، تُعارض تمامًا الرؤية الفلسفيّة اليونانيّة للعالم والوجود. لذا فاليونانيّة أوسع نطاقًا من العقل اليونانيّ الأثيني ولا يمكن المطابقة بين العقل اليونانيّ والعقل الأوروبيّ بصورة ساذجة.

أما الجابري فيعمد إلى إزاحة العقل اليونانيّ باتجاه الغرب، فيطابق بين العقل اليونانيّ والعقل الغربيّ، كما يؤسس علاقة تباين وتضاد بين العقل اليونانيّ والعقل العربيّ. وهكذا يعتمد الضديّة مع العقل اليونانيّ كنقطة انطلاق لفهم العقل العربيّ مُتناسيًا الاستمراريّة الحضاريّة التي تُؤسِّسُهما معا، فعصر التدوين العربيّ يُكرر إلى حدٍّ بعيدٍ عصر التدوين الهلنستي الذي صنع العقل اليونانيّ.

بالنسبة للجابري هناك تواصلٌ في مسيرة العقل الغربيّ على مدى خمسة وعشرين قرنًا من منبعه اليونانيّ إلى مصبِّه الأوروبيّ بثباتٍ في المجرى، وما يزيد وحدة العقل اليونانيّ-الغربيّ هو إعلان الطلاق الإبستمولوجي بينه وبين ضدِّه العقل العربيّ. يرفض الجابري المنهج التاريخيّ ويبنى نظريّته على رُؤية أيديولوجيّة تنطلق من فكرتي «اللوغوس» و«النوس» لكلِّ من هراقليطس (ت. 470 ق.م) وأناكساغوراس (ت. 428 ق.م)5. لا يُنوِّه الجابري إلى البُعد الأسطوريّ والشعريّ للفكر اليونانيّ، مُتناسيًا أنَّ «اللوغوس» قد وُلد من قلب «المِيتوس» ومن رحمها نضج وتطور إلى عقل. ينتمي الجابري للدُغمائيّة العقلانيّة العائدة للقرن التاسع عشر، العاجزة عن إدراك أنَّ الأسطورة ليستْ نقيض التاريخ، بل إنَّها تتغلغل في كلِّ حنايا الفكر اليونانيّ: فالفلسفة نفسها لا تستطيع الاستغناء عن الأسطورة6.

يؤكِّد طرابيشي في كتابه مصائر الفلسفة بين المسيحيّة والإسلام على أنَّ استمراريّة الفكر اليونانيّ في العالم الغربيّ، وانسجام المسيحيّة مع الفلسفة اليونانيّة ليستْ حقيقةً تاريخيّة، بل نظريّة افترضها لاهوتيو الألف الثاني، فالمسيحيّة الأولى ناوأتْ الفلسفة ووصفتها بالوثنيّة مُكتفيّة بوحي العهد الجديد. نشأ العقل اليونانيّ في حوض المتوسط ولكنه انفصل عن منبعه الأصلي مع ظهور المسيحيّة، ليمر بالحضارة العربيّة وينهل منها قبل أنْ يعود لأوروبا في القرن الثاني عشر. لا شك أنَّ المسيحيّة خالفتْ الفلسفة اليونانيّة في قضيتين محوريتين: الخلق من العدم والتجسّد. وهكذا أظهر آباء الكنيسة أفضليّة المسيحيّة على الفلسفة اليونانيّة الوثنيّة الباطلة، مُشدِّدين على ضرورة الحفاظ على الإيمان القويم بتحديدهم لقانون الإيمان في مجمعي نيقية عام 325 م، والقسطنطينية الأول عام 381 م. إنَّ التشديد على أرثوذكسيّة الفكر المسيحي لم يسمح للفكر الحر بالنمو والازدهار في القرون الأولى. وكانتْ ملاحقة الفلاسفة واضطهادهم في عهد الإمبراطور يوستنيانوس (ت. 565) الذي أمر بإغلاق مدرسة أثينا الفلسفيّة عام 529 م، سببًا في توجه الفلاسفة نحو العالم الفارسي تاركين الإمبراطوريّة البيزنطيّة، حيث تُرجمتْ أعمال فلاسفة اليونان من أفلاطون وأرسطو وأفلوطين للفارسيّة والسريانيّة. وقد ساعد هذا فيما بعد على نقل الأعمال الفلسفيّة إلى العربيّة في العصر الذهبيّ للدولة الإسلاميّة7.

يُفنِّد طرابيشي في الجزء الأول من كتابه نقد نقد العقل العربيّ قراءة الجابري المُجحِفة بحقِّ التراث العربيّ والإسلاميّ. فالعقل الإسلاميّ تابعَ تكوين نفسه في القرون الثلاثة اللاحقة لعصر التدوين، وأسَّس عصرًا ذهبيًّا ترسَّختْ فيه جذوره، حتى عصر الانحطاط الذي يُحدِّده طرابيشي بالقرن الثامن للهجرة. اهتمَّ المُتكلِّمون بالفلسفة ووضعوها في خِدمة علم الكلام قبل الغربيّين، على الرغم من معارضة الفقهاء لهم، فلا يمكن حصر الحضارة الإسلاميّة بالفقه ولا يُمكن تجاهل بُعدها العقليّ والفلسفيّ. لقد رأى مسلمو القرون الأولى في الفلسفة طورًا من الوحي، فلم ينعتوا الفلاسفة بالوثنيّة بل وصفوهم بالصابئة، كما يُشير إلى ذلك القرآن (البقرة 2: 62). كما يدحض طرابيشي نظريّة الضربة القاضية التي وجّهها الغزالي (ت. 1111م) للفلسفة في كتابه تهافت الفلاسفة، مُظهرًا ضُعف حجّة الجابري8، فكيف لمفكرٍ واحدٍ أنْ يُدمِّر العمارة الفكريّة لحضارة برمتها، خاصة أنَّ الفلاسفة تابعوا بعده بحثهم العقلي لإظهار التوافق بين الشريعة والفلسفة في البلوغ للحقيقة الواحدة.

بالإمكان هنا إعطاء بعض الأمثلة الحيّة عن أهميّة الفلسفة في التاريخ العربيّ الإسلاميّ. فقد قدَّم فخر الدين الرازي (ت. 1210 م) نقدًا عقائديًّا للفلسفة، لكنه جمع بينها وبين علم الكلام منهجيًّا، مُؤكدًا الأولويّة الإبستمولوجيّة للفلسفة في إطار البحث العلمي9، كما وازى بين أرسطو (ت. 322 ق.م) مُؤسِّس علم المنطق والشافعي (ت. 820 م) مُؤسِّس الفقه الإسلاميّ لاستنادهما إلى القياس العقلي Syllogisme. كما يتباهى المسعودي (ت. 956 م) في القرن الرابع للهجرة بأنَّه وضع كتابًا في تاريخ اليونانيّين وفلاسفتهم أسماه فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف10. وفي كتاب طبقات الأمم يُصنِّف صاعد الأندلسي (ت. 1070) الأمم إلى شعوب اعتنتْ بالعلم فأفادتْ الإنسانيّة، وشعوب جاهلة لم يُنقل عنها فائدة تذكر11. وعادتْ انتفاضة العقل العربيّ في عصر النهضة بالاتصال بالعقل الغربيّ والاعتماد على رافد الترجمة. وهنا يرفض طرابيشي العودة لعصر التدوين التي يدعو إليها الجابري لإصلاح الفكر العربيّ12، ويشدد على ضرورة استئناف عصر النهضة للمُضي نحو عالم الأنوار:

«فليس هناك شيء جاهز اليوم ليتم تدوينه، كما لم يكن ثمة شيء جاهز للتدوين في منتصف القرن الثاني للهجرة. وإنما يتعين على العقل العربيّ، في طور تكوين جديد له، أنْ يعمل في اتجاه انفتاح نقدي مزدوج: على الماضي كما يتمثل بالتراث، وعلى المستقبل كما يتمثل بالعصر. وما من شيء هو برسم التدوين، بل كل شيء برسم إعادة الإنتاج وإعادة الاختراع... فمن خلال إعادة البناء النقدي للعقل المكوَّن في تراثنا الماضي ومن خلال إعادة انتاج العقل المكوَّن في تراث الغرب الحاضر قد يتسنى لعقل عربيّ مكوِّن أنْ يرى النور بدون قطيعة لا مع ثقافة الذات، ولا مع حضارة العصر التي مازال بعضنا أو أكثرنا يقابلها بالرفض العصابي بحجة أنها حضارة الآخر»13.

يظهر مما سبق أنَّ الجابري يتبنى نظريّة تحتكر الفلسفة لصالح الغرب في تقليده اليونانيّ القديم والأوروبيّ الحديث، فيرى في الفلسفة إنتاجًا غربيًّا لا ينتمي للعالم الإسلاميّ، بل وصل إليه عن طريق المُحاكاة فقط14. وبحُجّة أنَّ العقليّة الساميّة تجهل الملكة النظريّة، جرى بتر الفلسفة المكتوبة باليونانيّة عن جذورها المتوسطيّة الشرقيّة، لتصير فلسفة غربيّة في معظم كتب تاريخ الفلسفة. هذه القطيعة بين الشرق والتراث الفلسفيّ لم يعرفها قط تاريخ الحوض الشرقيّ للمتوسط ولا جغرافيته. فيمد جسرًا بين التراث اليونانيّ والحضارة الغربيّة تحت لواء العقلانيّة، ويرى أنَّ القطيعة بين التراث اليونانيّ والشرق تقوم في لاعقلانيّة هذا الأخير. من الواضح أنَّ الجابري تبنّى فرضيّات هيغل (ت. 1831 م) التي تُصنِّف الحضارات على أساس العقل، فتضع إفريقيا في أسفل الهرم وتليها آسيا، أمّا أوروبا فهي في رأس الهرم كقارة العقل التي يعود مركز القيادة فيها إلى ألمانيا. فالعقل الفلسفيّ الغربيّ الذي يحكم العالم هو استمرار لنظريّة النوس في فلسفة وأناكساغوراس، وهذا ما سيقود الجابري لاعتبار فلسفة هيغل قمة العقلانيّة في القرن التاسع عشر الميلادي15.

ثانيا. البنية العقلانيّة للفلسفة المشرقيّة
ومرجعيتها المشائيّة

يُقسِّم الجابري العقل العربيّ إلى عقلٍ بيانيّ وعرفانيّ وبرهانيّ، فينفي البنية العُضويّة الواحدة لتجليّاته في مجالات الفقه وعلم الكلام والتصوف والفلسفة16، فالرازي وابن سينا (ت. 1037 م) والغزالي لا يُمثِّلون وحدة العقل العربيّ. وسيُصور التحالف بين هذه العقول، كما هو الحال في وحدة العقل البياني مع العرفاني عند الغزالي أو العقل البرهانيّ مع العقل العرفاني عند ابن سينا، باعتبارها اختراقات تتيح للموروث اللاعقلانيّ استعادة المواقع التي خسرها بظهور الإسلام وانتصار المعقول الدينيّ. ينتقل الجابري في مشروعه النقدي من تكوين العقل العربيّ إلى بنيته وماهيّته ليُلغي حركيّته وتاريخيّته، ويصدر حكمه عليه كعقل ميِّتٍ منذ لحظة الغزالي إلى اليوم17.

يُحلِّل الجابري المحتوى المعرفيّ للفلسفة العربيّة ويُميِّز مرحلتيْن أساسيّتيْن في الصيرورة الأيديولوجيّة للتّقليد. المرحلة الأولى هي حُلم الفارابي (ت. 950 م) الذي حاول ابن سينا تحقيقه على طريقته الخاصة، وقد استخدما نظريّة الفيض ومزجَا بين الفلسفة والدين؛ أما المرحلة الثانيّة فدشنها معرفيًا ابن حزم (ت. 1064 م) وابن تومرت (ت. 1130 م) فأنتجتْ عقلًا بُرهانيًّا يرفض الخلط والتوفيق بين الفلسفة والدين18. لا مكان للمرحلة الأولى في التراث العربيّ لأن المرحلة الثانيّة ألغتها تمامًا، فما انحطاط الفكر العربيّ إلا نتيجة تمسُّكه بفكر ابن سينا. لذا علينا التمسك فقط بفكر ابن رشد (ت. 1198م)، ففلسفته هي التي سمحتْ للفلسفة الغربيّة أنْ تستقلَّ عن العقيدة الكنسيّة.

تنبعُ أهميّة الفلسفة الرشديّة، وفق الجابري، من القطيعة مع الروح السينويّة والصوفيّة السُنيّة، كما تجب القطيعة التامة مع الفكر المشرقيّ19. وبرأي الجابري فإن ابن رشد قد رفض المنهج اللاهوتي القائم على التوفيق بين العقل والنقل، كما استبعد منهج الفلاسفة الذين عالجوا قضايا الدين من وجهة نظر فلسفيّة، ففصل بين الدين والعلم وبين الدين والفلسفة، وعلى غراره ينبغي أنْ نكف عن تفسير الدين من وجهة نظر علميّة، فالعلوم غالبًا ما تتناقض فيما بينها. وهنا تبرز سلفيّة الجابري حيث يرى أنَّ الدين يستقي معطياته من الدين عينه، فلا حاجة له بالفلسفة اليونانيّة القديمة ولا بالفلسفة الحديثة20، وعلى العالم العربيّ أنْ يضع نصب عينيه الروح الرشديّة ليصبح جزءًا من كيانه كالروح الديكارتيّة في العالم الفرنسي والتي تشابهها بما يتعلّق بالعقلانيّة والواقعيّة والنقديّة. وهذا يتطلب القطيعة التامة مع الروح السينويّة المشرقيّة الغنوصيّة والظلاميّة، والخروج التام من فكر عصر الانحطاط وامتداداته عبر التُراث إلى عصرنا الحاضر.

عمل الجابري على إزاحة ابن سينا من موقعه كواحد من صُنَّاع العقل العربيّ، فنقله من البُرهان العقلانيّ إلى العرفان اللاعقلانيّ21. كما يرى الجابري أنَّ المسار الغنوصي لابن سينا يعود لحداثته ولبيت أبيه حيث نهل مبادئ الإسماعيليّة، فأضفى مشروعيّة عقليّة على مُختلف جوانب اللامعقول التي ورثها الإسلام كحضارة وثقافة عن الحضارات والثقافات القديمة، وهو الصانع الفكري لعصر الانحطاط. التُهمة الكبرى الموجّهة لابن سينا هي السّحر والشعوذة، وقد طلاهما بطلاء أرسطوطاليسي كاذب، مدمرًا مدينة العقل في الإسلام. فالضربة الحقيقيّة التي أصابتْ الفلسفة والعقلانيّة في الإسلام لم تكن على يد الغزالي بل على يد أكبر فيلسوف في الإسلام أي ابن سينا. قتلتْ فلسفته الشرقيّة العقل والمنطق في الوعي العربيّ وكرستْ الرؤية السحريّة مما جعل الظلاميّة تعم الفكر الشيعي والفكر السُنيّ معا. لذلك يخوض الجابري معركة حاسمة ضد الروح السينويّة المشرقيّة الغنوصيّة الظلاميّة.

يُدافع طرابيشي، في كتابه وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، عن الفلسفة المشرقيّة مُظهرًا بنيتها العقلانيّة ووحدة الفلسفة العربيّة. فيُلاحظ أنَّ المفكرين الغربيّين في القرنين السابع عشر والثامن عشر فسروا ابن سينا تفسيرًا مشرقيًّا صوفيًّا هنديًّا22، أمَّا مفكرو القرن التاسع عشر فقد أسندوا صفة المشرقيّة إلى حكمة الإشراق، مُؤكِّدين العلاقة بين الشرق والمشرق والإشراق والاختلاف بين الفلسفة اليونانيّة بطبيعتها المشائيّة والمذاهب الشرقيّة الممتزجة بالأفلاطونيّة المحدثة. بيد أننا نرى في القرون السالفة خلطًا بين مشرقيّ وإشراقيّ في الترجمات والدراسات الغربيّة للأعمال العربيّة، واستبعادًا للمرادفة بين مشرقيّة وشرقيّة23. وقراءة كلمة مُشرقيّة بضم الميم، يهدف لتفسير ابن سينا تفسيرًا صوفيًّا يضفي بنزعته الدينيّة على أرسطو مسحة إسلاميّة.

إنَّ التمييز بين الفلسفة المشرقيّة التي تبحث عن الله عن طريق الوجدان والذوق أي الإشراق، والفلسفة الدقيقة التي تستخدم البرهان وتسير على منهج استدلالي، يعود للكاتب الفرنسيّ ليون غوتييه في كتابه عن الفلسفة الإسلاميّة24. واستطاع المفكر الإيطالي نلينو أنْ يُصحِّح القراءة، مُؤكدًا أنَّ فلسفة ابن سينا شرقيّة وليست إشراقيّة مُبينًا الخطأ في قراءة مُشرقيّة بضم الميم25. كما يُبين نلينو أنَّ ابن سينا يقدم منهجًا خاصًا بعيدًا عن الصوفيّة، ويحاول أنْ يقدّم مساهمة شخصيّة متمايزة عن الموروث الأرسطي من موقع منطقيّ وفلسفيّ صِرف. لكن المستشرقين الفرنسيين تابعوا جدلهم حول الموضوع، وهذا ما يراه طرابيشي في أعمال لويس غارديه ولويس ماسينيون وهنري كوربان التي تميل لاعتبار فلسفة ابن سينا المشرقيّة توفيقًا بين الفلسفة اليونانيّة والحكمة الساميّة التقليديّة، مؤكدين غنوصيّة ابن سينا وضلوعه في «علم الجفر الإسماعيليّ»26.

يربط الجابري الظاهرة الاستشراقيّة بالاستعمار والمركزيّة الأوروبيّة ورواسب الصراع التاريخيّ بين المسيحيّة والإسلام، كما يُحاول تفسير المنظومة الفلسفيّة السينويّة برمتها بالجزء الضائع منها، أي كتاب الحكمة المشرقيّة. أما كتب تاريخ الفلسفة الحديثة وموسوعاتها الصادرة بالعربيّة فقد خصّصتْ حيِّزًا صغيرًا جدًا لقضيّة الإشراق أو الحكمة المشرقيّة في فكر ابن سينا، فعبد الرحمن بدوي الصانع الحقيقي لمعضلة الفلسفة المشرقيّة في الثقافة العربيّة المُعاصرة يميل لنفي صفة المشرقيّة عن فكر ابن سينا، حيث يقول:

«الخلاصة أنَّ مذهب ابن سينا يُعدُّ أوسع إنتاج في الفكر الفلسفيّ في الإسلام. وقد حاول فيه المزج بين فلسفة أرسطو -وهو قد تمثَّلها خير تمثّل- وقسمات مُتناثرة من فلسفة أفلاطون، لكن الاتجاه السائد في مذهبه هو الفلسفة المشائيّة. ولئن كان أقل التزامًا بنصوص أرسطو من ابن رشد، وبالتالي أقلَّ فهما لها منها، فإن ذلك كان أيضًا ميزة من جهة أخرى، من حيث أنه أفسح المجال ليستقل أحيانًا بفكره الخاص. صحيح أنَّ تجديداته أو محاولات الأصالة لديه قد أخفقتْ بوجه عام، ولم تكن فلسفته الشرقيّة غير أمل لم يتمكن من تحقيقه بالفعل، ولكنه استطاع على كل حال في موسوعته الكبرى الشفاء، أنْ يُقدِّم أوفى دائرة معارف فلسفيّة عرفتها العصور الوسطى»27.

يُصرّح ابن سينا بأنه وضع كتابًا في الحكمة الشرقيّة، في تفسير كتاب أثولوجيا، وفي مقدمة موسوعة الشفاء، وفي مقدمة نص منطق المشرقيّين. لذلك يفترض طرابيشي أنَّ ابن سينا كتب مسودة كتاب الفلسفة المشرقيّة عندما بدأ بتحرير قسم المنطق من كتاب الشفاء، وذلك نحو عام 415 ه، أي قبل ثلاث عشرة سنة من وفاته. ويُنوِّه ابن سينا في شأنه ما يلي: «وما جمعنا هذا الكتاب لنظهره إلا لأنفسنا -أعني الذين يقومون منا مقام أنفسنا- وأما العامة من مزاولي هذا الشأن فقد أعطيناهم في كتاب الشفاء ما هو كثير لهم وفوق حاجتهم»28.

الحقيقة أنَّ مسيرة ابن سينا تقوم على دراسة وتمثُّل المشائيّة، ثم على إعادة إنتاجها ليبقى أرسطو المرجع الأول والأخير لفكره، وختامًا على محاولة تطويرها بمساهماته الشخصيّة، فالأمانة لأرسطو تتجلى لا في تكرير ميراثه بل في تطويره. أما تجاوز أرسطو كليًا فلم يكن ممكنًا لأنه فيلسوف العصر، فالمشائيّة كانتْ تحتبس العقل الفلسفيّ للحضارة العربيّة الإسلاميّة، كما كانتْ أسيرة المزاوجة مع الأفلاطونيّة المحدثة من جراء إدراج كتاب أثولوجيا المنحول عن أفلوطين في منظومة الفكر المشائي العربيّ وفي سلسلة كتب أرسطو. وهكذا فالفيلسوف الذي يخرج من المشائيّة يدخل في الأفلاطونيّة المحدثة أو بالعكس.

إنَّ حديث ابن سينا عن تجريد النفس من المادة واشتياقها إلى الاتصال بملكوت الله الأعلى وطبيعة ذكرياته بعد مفارقتها البدن واستمداد الفيض الإلهي، وغيرها ، لا يندرج في عداد أية فلسفة غنوصيّة مستورة أو مشرقيّة مزعومة، بل يدخل في صلب ما كان ابن سينا -ومعه معظم فلاسفة الحضارة العربيّة الإسلاميّة- يعتقد أنَّه خُلاصة الأرسطيّة29.

ثالثا. وحدة المرجعيّة الفلسفيّة السنيّة والشيعيّة
واستقلالها عن الصراعات السياسيّة

نعود مجددًا لمعنى صفة المشرقيّة لفلسفة ابن سينا التي اختلف عليها المستشرقون فمنهم من فهم بها الشرق بالمعنى الجغرافي للكلمة أو المشرق بالمعنى الفلكي أي مكان طلوع الشمس وبالتالي بمعناه الرمزي: مشرق الأنوار. أما عبد الرحمن بدوي فحدد المشرقيّين عند ابن سينا بالمشائين المعاصرين له من أهل بغداد على حين أنَّ المغربيّين هم شراح أرسطو الغربيّين مثل الإسكندر الأفروديسي وثامسطيوس ويحي النحوي30.

يبني الجابري الصراع الإيديولوجيّ بين المشرق والمغرب، مظهرًا الخصومة الفكريّة بين مدرستي خراسان وبغداد أو بين الحركة الإسماعيليّة وفلسفتها الباطنيّة والدولة العباسيّة وأيديولوجيّتها السنيّة 31. تتناول الإشكاليّة الفلسفيّة بين المدرستين قضايا خلود النفس وماديّة ولاماديّة العقل الهيولاني. وهكذا يفترض الجابري وجود منافسة سياسيّة بين العراق وخراسان ومنافسة علميّة بين المشرقيّين أهل خراسان والمغربيّين أهل العراق. كما أنه ينسب قيادة المنطقة البغداديّة المغربيّة (الممثلة بالفارابي ويحي بن عدي) إلى أبي سليمان السجستاني، وقيادة المدرسة المشرقيّة (الممثلة بإخوان الصفا والفلاسفة الإسماعيليِّين والبلخي والنيسابوري والعامري) إلى ابن سينا. والصراع الفلسفيّ الجغرافي هو صراع حول فكر أرسطو بتأويله المغربيّ العقلانيّ وتأويله المشرقيّ اللاعقلانيّ. والإشكاليّة الرئيسيّة تدور حول نظريّة النفس عند أرسطو على كونها متصلة بالبدن أو مستقلة عنه وهابطة عليه من الأعلى، وهذا ما يبين عقلانيّة النظريّة المغربيّة وهرمسيّة الفكر المشرقيّ بقيادة ابن سينا32.

يؤكد طرابيشي على وجود مدرستين فلسفيّتين في المشرق هما مدرسة السجستاني التي ازدهرتْ في أواخر القرن الرابع الهجري، وكانتْ أشبه بصالون أدبي يهتم بالألفاظ لا بالمفاهيم؛ في حين أنَّ مدرسة ابن سينا قد ازدهرتْ في بداية القرن الخامس الهجري، التي كانتْ أشبه بأكاديميّة أفلاطون، ولذا استطاعتْ إنتاج موسوعة الشفاء العلميّة إضافة إلى لغتها الفلسفيّة الرفيعة. ومن الغلط أنْ توضع المدرستان في كفتين متقابلتين من ميزان واحد.

يؤكد طرابيشي على غياب التنافس العلمي الإيديولوجيّ بين فلاسفة الشيعة والسنة أو بين العراق وخراسان، فابن سينا قضى حياته بين بلاط السامانيين السنيين ومكتبتهم العظيمة ببخارى وبلاط البويهيين الشيعيين ومكتبتهم في الري. وهنا يبدو أنَّ العالم الإسلاميّ عرف عصرًا ذهبيًا استقلتْ فيه العلوم عن المصالح والصراعات السياسيّة. وحرية الفكر تظهر في أعمال الفارابي الذي درس في بغداد وعاش في حلب ودمشق، ورغم ذلك فقد تبنى الطروحات الفلسفيّة المشرقيّة من الفيض ومسألة العقول العشرة.

لا يمكن إثبات عصبيّة ابن سينا لأهل خرسان، فهو لم يتردد في نقدهم عند الحاجة وإظهار فكرهم غير الناضج الذي لم يساهم في تطوير الفلسفة33. كما أنه يمدح المغربيّين في رسالته إلى علماء بغداد يسألهم الانصاف بينه وبين رجل همداني يدّعي الحكمة: «سلام الله على مشايخ العلم والحكمة بمدينة السلام، مدّ الله في أعماركم، وزاد في الخيرات لديكم، وأفاض من حِكَمِه عليكم، ورزقنا مجاورتكم، وعصمنا وإياكم من الخطأ والخطل»34. من هذه الرسالة يتبين طرابيشي أنَّ ابن سينا كان يعتبر علماء بغداد بمثابة سلطة مرجعيّة له ولكل العاملين في حقل الفلسفة، فليس هناك منطق آخر وطبيعيات أخرى ونمط من الإلهيات مباين لما فهم عن الأقدمين. فما أبعدنا عن فلسفة سريّة يقال إنَّ ابن سينا استقاها في يفاعته من أفواه الدعاة الإسماعيليِّين ومن كتب مستورة في دار كتب السامانيين.

كما يخطئ الجابري في تحديد الفترة التاريخيّة للصراع الأيديولوجيّ، فينسب للدولة العباسيّة فكرها السُنيّ ولخراسان الفكر الإسماعيليّ والفلسفة الباطنيّة. مع العلم أنَّ مدرسة بغداد الفلسفيّة عرفتْ ازدهارها الكبير في النصف الثاني من القرن الرابع الهجريّ في ظل الهيمنة البويهيّة الشيعيّة على الدولة العباسيّة، وكانتْ مدرسة ذات أغلبيّة مسيحيّة. أما المواجهة بين الدولة العباسيّة وفكرها السُنيّ والحركة الإسماعيليّة فتعود إلى النصف الثاني من القرن الخامس الهجريّ، أي إلى عصر الهيمنة السلجوقيّة على الدولة العباسيّة، وهو العصر الذي شهد استئصال الفلاسفة البغداديين على يد السلطة السياسيّة المُتحالفة مع فقهاء العصر.

رابعا. وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ
بين المشرق والمغرب

الجغرافيّة الإبستمولوجيّة التي تظهر لدى الجابري تؤسسها قسمة ثنائيّة للعقل العربيّ بين مشرقيّ لاعقلانيّ ومغربيّ كليّ العقلانيّة. وفي النهاية ينزع لتحديد المغرب بمعناه الجغرافي الحالي مُستبعدًا بغداد ومُؤكدًا تفوق الأندلس على المشرق من الوجهة المنهجيّة.

لقد نشأتْ في الأندلس مدرسة تختلف تمامًا عن المدرسة الفلسفيّة في المشرق من حيث المنهج والمفاهيم والرؤية والإشكاليّة. فالفلسفة في المشرق كانتْ محكومة بإشكاليّة التوفيق بين الدين والفلسفة، أي إشكاليّة علم الكلام. أما في المغرب والأندلس فلم يكن هناك علم كلام ولا فرق ولا تعدد، وأصبح أرسطو هو الأصل، وجرى إنتاج فكر فلسفيّ أرسطي محض، خالٍ من الأفلاطونيّة المحدثة والتأثيرات المشرقيّة من فارسيّة وغنوصيّة وهرمسيّة وغيرها. وأحاجج في هذا السياق، بأنَّ تراثنا الثقافي شهد روحان ونظامان فكريان: الروح السينويّة والروح الرشديّة، وبصورة عامة: الفكر النظري في المشرق والفكر النظري في المغرب. وهناك نوع من الانفصال بينهما داخل الاتصال الظاهري. هذا الانفصال نرفعه إلى درجة القطيعة المعرفيّة؛ والحقيقة أننا إذا أردنا أنْ نجد تاريخًا حقيقيًّا للفلسفة العربيّة الإسلاميّة فيه شيء من التقدُّم، وشيء من الانتقال إلى ما هو أبعد، فهذا التاريخ لا يمكن أنْ نجده إلا إذا بنيناه على أساس أنَّ النظرة الأندلسيّة المغربيّة قد تجاوزتْ منهجيًا النظرة المشرقيّة35.

ينتقد الجابري ابن سينا أيضًا فيما يختص بعقيدة النفس ويلومه على مذهبه الهرمسي الذي يعتبر النفس جوهرًا مستقلًا عن البدن من أصل إلهي، تهبط البدن عقابًا على ذنوبها وتعود لأصلها الإلهي إنْ خضعتْ لعمليّة التطهير36. في الواقع إنَّ الخلاف بين ابن سينا وشراح أرسطو من اليونان أي الإسكندر الأفروديسي وثامسطيوس حول قضيّة العقل الفاعل والعقل المنفعل، هو خلاف بين شراح لا يرقى إلى مستوى المواجهة الإبستمولوجيّة بين عقل مشرقيّ وعقل مغربيّ. فيعترض ابن سينا على الإسكندر لاعتباره العقل الهيولاني والنفس من طبيعة ماديّة:

«اختلف العلماء والحكماء في قوام النفس دون البدن. فأما الإسكندر الأفروديسي المفسر فإنه كان يرى أنَّ هذه القوة تبطل عند فساد البدن، وعليه يؤول قول أرسطاطاليس. وأما ثامسطيوس فإنه يخالف هذا الظن ويرى أنَّ القوة باقيّة بعد فساد البدن، وعليه يؤول قول الفيلسوف. وهذا القول هو الصحيح، وبه نأخذ»37.

يبين طرابيشي براءة ابن سينا من تُهمة الجابري، فهو يرفض النظريّة الهرمسيّة التي تعتبر النفس جوهرًا نورانيًا من عالم النور، مخالطًا للبدن الذي هو الجوهر المظلم من عالم الظلمة، كما يفند طروحات الفرقة القائلة بالتناسخ. على الرغم من الخلط بين أرسطو وأفلوطين بسبب كتاب أثولوجيا، فإن ابن سينا يدافع عن طروحات أرسطو المركزيّة مؤكدًا أنَّ النفوس لا يمكن أنْ تكون قبل الأبدان بل هي حادثة مع الأبدان38. يبدو أنَّ الجابري يستند في اتهاماته لابن سينا على نصوص منحولة نُسبتْ خطأً له كقصيدته العينيّة التي تخالف في محتواها قناعات ابن سينا كما يؤكد ذلك عدد من كبار الدارسين العرب لفكره، من قبيل أحمد أمين وأحمد فؤاد الأهواني39.

من الصحيح أنَّ ابن سينا قال بحدوث النفس ولكنه لم يقل بفنائها. فمن مقدمة أرسطيّة انتهى إلى نتيجة أفلاطونيّة، وذلك لأنه كان يفكر على أرضيّة الحضارة العربيّة الإسلاميّة التي بنتْ تصورها الدينيّ عن العالم على فكرة المعاد وبقاء النفس ومحاسبتها في الآخرة على أعمالها. وجميع فلاسفة الإسلام تبنوا هذا المذهب من الكندي إلى ابن رشد. والتوفيق بين آراء أفلاطون وأرسطو ليس غريبًا عن فلاسفة الإسلام والمسيحيّة.

يسعى الجابري لتحطيم وحدة النظام المعرفي للعقل العربيّ، بإشهار القطيعة الإبستمولوجيّة بين فيلسوف المشرق وفيلسوف المغرب، فيرى اختلافًا جوهريًا بين المنهج البرهانيّ لابن رشد والمنهج المشرقيّ لابن سينا والغزالي40. يضع الجابري ابن رشد مقابل فلاسفة المشرق بأسرهم موحدًا منهجهم الفكري.

إن إنجاز ابن رشد الكبير هو في تبنيه مفهوم البرهان، فالحكمة تقوم على النظر في الأشياء بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان41. والبرهان عنده هو ما يطابق فكر أرسطو ومن تبعه من المشائين، إذ يرى ابن رشد أنَّ الله حباه معرفة عقليّة تطابق المعرفة المفاضة للأنبياء. من منظور إعجابه بأرسطو وتقيده الحرفي بمذهبه كان التصادم مع ابن سينا أمرًا محتومًا. فابن سينا فهم الإبداع الفلسفيّ على أنَّه انعتاق من سطوة أرسطو، فلم يكتف بأن يكون مُجرد شارح للمعلم الأول، بينما فضّل ابن رشد إعادة بناء المنظومة الأرسطيّة وتطهيرها من التحريفات. يبدو أنَّ ابن رشد يرفض الاعتراف بشرعيّة الاختلاف، وحق الفلاسفة بانتهاج مذهب يُخالف أرسطو على غرار الفارابي في كتاب المنطق وابن سينا في تصانيفه في الإلهيات والطبيعيات. يرى طرابيشي أنَّ ابن رشد يُحوّل الممارسة الفلسفيّة إلى ممارسة فقهيّة، وذلك لأن الفيلسوف كالفقيه له أنْ يفرّع لا أنْ يؤصل42. عقل ابن رشد سكولائي يرجع دائمًا إلى مُقدماته ولكنّه لا يرجع أبدًا عنها ولا ينعتق منها، فثورته لوثريّة نصيّة وليست عقليّة فولتيريّة. وهكذا نجد أنَّ قطيعة ابن رشد مع ابن سينا كانت بهدف العودة لأرسطو دون سواه، ولم تكن افتتاحًا حقيقيًا لفلسفة الحداثة.

يبين طرابيشي أنَّ الخلاف بين ابن رشد وابن سينا أساسه فلسفيّ يقوم على شرح أرسطو وحسب. أما الجابري فينطلق من عصبيّته المغربيّة ليظهر تضامن كل فلاسفة المغرب ذوي المذهب البرهانيّ ضد فلاسفة المشرق. وهذا التعارض لا أساس له تاريخيّا، إنها قراءة الجابري المتحيزة للمغرب لا أكثر، فكل الفلاسفة كان لهم مرجع أساسيّ هو العقل العربيّ الإسلاميّ، كانوا يصدرون عنه جميعًا مهما اختلفتْ حساسياتهم وتمايزت أقاليمهم. يورد طرابيشي لتفنيد هذه القطيعة الإبستمولجيّة بين المشرق والمغرب ما يقارب العشرين شاهدًا فيها ينتقد ابن رشد نظيره المغربيّ ابن باجة ويغلّطه43.

وهذا ما يؤكد أنَّ المدرسة الفلسفيّة في المغرب كمدرسة المشرق، ليست مدرسة وحدة بل مدرسة اختلاف في التفكير، وقد تكون روابطها الخارجيّة بالمدرسة المشرقيّة أوثق من الروابط الداخليّة بين أعضائها. فحضور السينويّة في المغرب في فكر ابن باجة وابن طفيل هو ما يُفسِّر مُهاجمة ابن رشد لها بضراوة في الداخل كما في الخارج. لا شك أنَّ المعرفة والفلسفة في المغرب المتأخرة بقرنين عن المشرق هي في تواصل واستمراريّة مع فلسفة المشرق فهي لم تولد من العدم بل عبر الحوار مع من سبق.

الخاتمة

تعود ظاهرة ركود العقل وانحسار الفلسفة في العالم الإسلاميّ إلى عصور الانحطاط التي اتسمتْ بتسنين العقيدة القويمة (Orthodoxisation) التي قادها ابن حنبل وبلغتْ ذروتها في كتابات ابن تيمية، مجدد الحنبليّة في القرن الثامن للهجرة. لقد برزتْ الحرب الحقيقيّة ضد الفلسفة في نقد ابن تيميّة والسيوطي للفلسفة وعلم الكلام باعتبارهما منهجين يقودان للكفر والإلحاد والجاهليّة44، وفي نعت الفلاسفة بالشرك وعبادة الأصنام45.

تجدر الإشارة إلى الأثر السلبيّ لعقيدة الفرقة الناجيّة على العالم الإسلاميّ، فهي عقيدة تُكفّر الآخر وتسد كل أفق حر للفكر الإنسانيّ46. وهكذا تحول الفكر الإسلاميّ لفكر جماعي وإجماعي يصف بالجاهليّة كل ما يخالفه، ويخنق التعدديّة الفكريّة التي تمثل المناخ الضروري لازدهار الفلسفة. اكتفى أهل الحديث بالنصوص الدينيّة واستبعدوا الاجتهاد العقلي واستطاعوا بلجوئهم إلى السلطة السياسيّة أنْ يحتكروا الحقيقة في الدنيا والآخرة. وهكذا حلّ إسلام الفقهاء والوعاظ مكان إسلام اللاهوتيين والفلاسفة والمتصوفين47.

يدحض طرابيشي فكر الجابري الذي يعلل ظاهرة استقالة العقل في الإسلام بالغزو الخارجي من قبل الفكر اللاعقلانيّ المتمثل بالهرمسيّة والغنوصيّة والعرفان المشرقيّ الذي أسهم في تكريسه على الصعيد النظري ابن سينا والغزالي. خلافًا لنظريّة المؤامرة الخارجيّة، يعمد طرابيشي لتفكيك آليات أفول العقل واستقالته من داخله. أما فشل مشروعات مفكري النهضة فيعود لتأرجحهم بين نقد التراث الإسلاميّ والنزعة الدفاعيّة التي غلبت على كتاباتهم. فتارة تغنوا بالقيم الإسلاميّة ومناخ الحريّة والتقدم الذي توفره المجتمعات الإسلاميّة لأهلها، وتارة انتقدوا الحضارة الإسلاميّة داعين للتخلي عن قيمها وتبني فكر الغرب وحضارته الإنسانيّة المتقدمة48. العالم العربيّ ليس مُهيئًا بعد لثورة على الطريقة الفولتيريّة، «فليس لنا أنْ نتصور فولتيرًا عربيًّا بدون لوثر مسلم»49. لابد من إصلاح الفكر الدينيّ بثورة لاهوتيّة على غرار اللوثريّة تُحرّر النص من سُلطة النصوص، وهي التي ستهيئ لثورة الفكر الفلسفيّ الحر ولعصر أنوار عربيّ يبدع العقل فيه دون شروط أو قيود كما كان الحال لقرون طويلة في العالم العربيّ.

قائمة المراجع

ابن تيمية، تقي الدين. نقض المنطق. القاهرة: مكتبة السنة المحمديّة، [د.ت.].

ابن رشد، محمد أبو الوليد. تفسير ما بعد الطبيعة. بيروت: دار المشرق، 1967.

________. تهافت التهافت. ط 3. القاهرة: دار المعارف، 1981.

ابن طفيل، محمد أبو بكر. حي بن يقظان. ط 3. القاهرة: دار المعارف، 1966.

الأندلسي، صاعد. طبقات الأمم. بيروت: دار الطليعة، 1985.

بدوي، عبد الرحمن. أرسطو عند العرب. ط 2. الكويت: وكالة المطبوعات، 1978.

________. التراث اليونانيّ في الحضارة الإسلاميّة. القاهرة: مكتبة النهضة المصريّة، 1940.

________. موسوعة الفلسفة. بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، 1984.

الجابري، محمد عابد. التراث والحداثة. ط 2. بيروت: دار الطليعة، 1982.

________. بنية العقل العربيّ. نقد العقل العربيّ 2. ط 9. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2009.

________. تكوين العقل العربيّ. نقد العقل العربيّ 1. ط 10. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2010.

________. نحن والتراث. ط 2. بيروت: دار الطليعة، 1982.

الرازي، فخر الدين. مناقب الشافعي. القاهرة: مكتبة الكليات الأزهريّة، 1986.

السيوطي، جلال الدين. صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام. القاهرة: دار النصر، 1970.

طرابيشي، جورج. مصائر الفلسفة بين المسيحيّة والإسلام. بيروت: دار الساقي، 1998.

________. من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث. بيروت، دار الساقي: 2010.

________. من النهضة إلى الردة. بيروت: دار الساقي، 2000.

________. نظريّة العقل. بيروت: دار الساقي، 1996.

________. وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ. بيروت: دار الساقي، 2002.

العلوي، جمال الدين. المتن الرشديّ. الدار البيضاء: دار توبقال، 1986.

المسعودي، علي بن الحسين. التنبيه والإشراف. بيروت: دار ومكتبة الهلال، 1981.

al-Jabri, Mohammed abed. Introduction à la critique de la raison arabe. Paris: La Découverte, 1994.

Bréhier, Émile. Études de philosophie antique. Paris: PUF, 1955.

Bultmann, Rudolf. Jesus Christus und die Mythologie. Hamburg: Furche-Verlag, 1965.

Corbin, Henry. Avicenne et le récit visionnaire. Paris: Berg international, 1979.

Finianos, Ghassan. Islamistes, apologistes et libres penseurs. Bordeux: Presses Universitaires de Bordeaux, 2002.

Gardet, Louis. La pensée religieuse d’Avicenne. Paris: Vrin, 1951.

Gauthier, Leìon. Introduction à l‘étude de la philosophie musulmane. Paris: Ernest Leroux, 1923.

Hegel, Georg W. F. Vorlesungen über die Geschichte der Philosophie I, II, III. Frankfurt am Main: Suhrkamp Verlag, 1986.

Hegel, Georg W. F. Vorlesungen über die Philosophie der Geschichte. Frankfurt am Main: Suhrkamp Verlag, 1986.

Hinneberg, Paul (ed.). Die Kultur der Gegenwart. vol. 1. Leipzig-Berlin: Teubner,1913.

Jaspers, Karl. Die Frage der Entmythologisierung. München: R. Riper, 1954.

Massignon, Louis & Youakim Moubarac. Opera minora. Paris: PUF, 1969.

Nallino, Carlo Alfonso. “Filosofia ‘orientale’ od ‘illuminativa’ d’Avicenna?”. Rivista Degli Studi Orientali. vol. 10, no. 2/4 (1923), p. 433-467.

Pines, Shlomo. “La philosophie orientale d’Avicenne et sa polémique contre les Bagdadiens”. Archives d‘histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, vol. 19 (1952), p. 5-37.

Zoueïn, Josette & Thierry De Rochegonde. “Rencontre avec un traducteur en arabe, Georges Tarabichi”. Che Vuoi?, vol. 21, no. 1 (2004), p. 93-99.


1 حول حياة طرابيشي نُحيل على مقاله الأخير، يُنظر: جورج طرابيشي، «ست محطات في حياتي»، صحيفة الأثير، 23/02/2015، شوهد في 19/05/2019، في: https://bit.ly/3kqYkyR؛ يُنظر أيضا:

Josette Zoueïn & Thierry De Rochegonde, “Rencontre avec un traducteur en arabe, Georges Tarabichi”, Che Vuoi? , vol. 21, no. 1 (2004), p. 93-99, p. 93.

2 محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربيّ، ط 10 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2010)، ص 334.

3 جورج طرابيشي، نظريّة العقل (بيروت: دار الساقي، 1996)، ص 123.

4 المرجع نفسه، ص 148.

5 الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 18.

6 لتعميق دراسة العلاقة بين العقل والأسطورة وحول الحقيقة الكامنة في الأسطورة يمكن قراءة أعمال رودولف بولتمان وكارل ياسبرز:

Rudolf Bultmann, Jesus Christus und die Mythologie (Hamburg: Furche-Verlag, 1965); Karl Jaspers, Die Frage der Entmythologisierung (München: R. Riper, 1954).

7 طرابيشي، مصائر الفلسفة بين المسيحيّة والإسلام (بيروت: دار الساقي، 1998)، ص 64.

8 يقول الجابري: «لحظة الغزالي: لحظة انفجار أزمة الأسس في الثقافة العربيّة الإسلاميّة وابتداء تأسيس الأزمة، أزمة العقل العربيّ والإسلاميّ»، يُنظر: محمد عابد الجابري، بنية العقل العربيّ، ط 9 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2009)، ص 489.

9 فخر الدين الرازي، مناقب الشافعي (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهريّة، 1986)، ص 156.

10 علي بن الحسين المسعودي، التنبيه والإشراف (بيروت: دار ومكتبة الهلال، 1981)، ص 120-121.

11 صاعد الأندلسي، طبقات الأمم (بيروت: دار الطليعة، 1985).

12 يُحدد الجابري عصر التدوين وفيه جرى تكوين العقل العربيّ الإسلاميّ بالفترة القائمة بين منتصف القرن الثاني للهجرة ومنتصف القرن الثالث وهي حقبة تدوين الحديث والفقه والتفسير. يُنظر الفصل الثالث من كتابه: تكوين العقل العربيّ، ص 56-71.

13 طرابيشي، نظريّة العقل، ص 23.

14 برأي طرابيشي فإنَّ الجابري يستند إلى رأي إميل برييه مؤرخ اللوغس في القرن العشرين، يُنظر:

Émile Bréhier, Études de philosophie antique (Paris: PUF, 1955), p. 8-9.

15 الجابري، التراث والحداثة، ط 2 (بيروت: دار الطليعة، 1982ص 91؛ يُنظر أيضا أعمال هيغل: دروس في فلسفة التاريخ ودروس في تاريخ الفلسفة:

Georg W. F. Hegel, Vorlesungen über die Philosophie der Geschichte (Frankfurt am Main: Suhrkamp Verlag, 1986); Id., Vorlesungen über die Geschichte der Philosophie I, II, III, (Frankfurt am Main: Suhrkamp Verlag, 1986).

16 طرابيشي، نظريّة العقل، ص 19.

17 الجابري، بنية العقل العربيّ، ص 523.

18 لفهم المشروع الفكري لمحمد عابد الجابري يُنظر:

Ghassan Finianos, Islamistes, apologistes et libres penseurs (Bordeux: Presses Universitaires de Bordeaux, 2002), p. 295-321; Mohammed abed al-Jabri, Introduction à la critique de la raison arabe (Paris: La Découverte, 1994), p. 156.

19 al-Jabri, Introduction à la critique de la raison arabe, p. 163-164.

20 Ibid., p. 166.

21 يُعيد طرابيشي الإحالة على النصوص التالية من كتاب نحن والتراث للجابري، حيث يظهر فيها مُحاولة الجابري نزع العقلانية الإسلاميّة عن ابن سينا: «لقد كان ابن سينا، قصد ذلك أم لم يقصد، أكبر مكرس للفكر الغيبي الظلامي الخرافي في الإسلام»؛ «كان ابن سينا، برغم كل ما أضفى على نفسه وما أُضْفي عليه من أبهة وجلال، المدشن الفعلي لمرحلة الجمود والانحطاط (...) إن ابن سينا يبدو من هذه الناحيّة، لا ذلك الفيلسوف الذي بلغتْ معه العقلانيّة الإسلاميّة أوجها كما يعتقد، بل ذلك الذي كرّس وعمل على تكريس لاعقلانيّة صميمة في الفكر العربيّ الإسلاميّ؛ «لقد كرّس ابن سينا بفلسفته المشرقيّة اتجاهًا روحيًا غنوصيًّا كان له أبعد الأثر في ردة الفكر العربيّ الإسلاميّ وارتداده من عقلانيّته المنفتحة... إلى لاعقلانيّة ظلاميّة قاتلة». يُنظر على التوالي: الجابري، نحن والتراث، ط 2 (بيروت: دار الطليعة، 1982)، ص 211، 141، 56 كما وردتْ في: طرابيشي، وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ (بيروت: دار الساقي، 2002)، ص 11-12.

22 تعود هذه القراءة للترجمة اللاتينيّة لقصة ابن طفيل، يُنظر: محمد أبو بكر بن طفيل، حي بن يقظان، ط 3 (القاهرة: دار المعارف، 1966).

23 يحيل طرابيشي لكتاب جولدتسهير حول فلسفة الإسلام واليهوديّة حيث يميز بين أعمال ابن سينا الفلسفيّة ورسائله الصوفيّة المحملة بالحكمة الشرقيّة.

Ignaz Goldziher, “Die islamische und die jüdische Philosophie des Mittelalters”, in: Paul Hinneberg (ed.), Die Kultur der Gegenwart, vol. 1 (Leipzig-Berlin: Teubner,1913), p. 301-337.

24 Léon Gauthier, Introduction à l’étude de la philosophie musulmane (Paris: Ernest Leroux, 1923).

25 كرلو ألفونسو نلينو، «محاولة المسلمين إيجاد فلسفة شرقيّة”، في: عبد الرحمن بدوي، التراث اليونانيّ في الحضارة الإسلاميّة (القاهرة: مكتبة النهضة المصريّة، 1940)، ص 273؛ يُنظر أيضا مقال نلينو باللغة الإيطاليّة في:

Carlo Alfonso Nallino, “Filosofia ‘orientale’ od ‘illuminativa’ d’Avicenna?”, Rivista Degli Studi Orientali, vol. 10, no. 2/4 (1923), p. 433-467.

26 يحيل طرابيشي في كتابه وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ص 21-22، لكتابات المستشرقين الفرنسيين التالية:

Louis Gardet,La pensée religieuse dAvicenne (Paris: Vrin, 1951); Louis Massignon, “La philosophie orientale d’Avicenne”, in: Louis Massignon & Youakim Moubarac, Opera minora (Paris: PUF, 1969); Henry Corbin, Avicenne et le récit visionnaire (Paris: Berg international, 1979).

27 عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، (بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، 1984)، ج 1، ص 67.

28 ابن سينا، منطق المشرقيّين (بيروت: دار الحداثة، 1982)، ص 19 كما وردتْ في: طرابيشي، وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ص 33.

29 طرابيشي، وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ص 39.

30 عبد الرحمن بدوي، أرسطو عند العرب، ط 2 (الكويت: وكالة المطبوعات، 1978)، ص 28.

31 الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 264-265؛ ونظرة الجابري للمشرق والمغرب هي نقل دون استشهاد لمقالة الكاتب بينس التي كتبها قبله بربع قرن:

Shlomo Pines, “La philosophie orientale d’Avicenne et sa polémique contre les Bagdadiens”, Archives dhistoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, vol. 19 (1952), p. 5-37.

32 طرابيشي، وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ص 50.

33 ابن سينا، «المباحثة السادسة» في: المباحثات، ص 255، كما وردتْ في: طرابيشي، وحدة العقل العربيّ، ص 58.

34 ابن سينا، رسائل الشيخ الرئيس ابن سينا (قم: منشورات بيدار، 1400 ﻫ) ص 462-465 كما وردتْ في: طرابيشي، وحدة العقل العربيّ، ص 60.

35 الجابري، التراث والحداثة، ص 328-331.

36 الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 265-266.

37 ابن سينا، رسائل الشيخ الرئيس ابن سينا، ص 273-274، كما وردتْ في: طرابيشي، وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ص 81.

38 ابن سينا، الأَضحوية في المعاد (بيروت: المؤسسة العامة للدراسات والنشر، 1987)، ص 93-94 كما وردتْ في: طرابيشي، وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ص 83.

39 تجدر الإشارة إلى أن أحمد فؤاد الأهواني هو محقق كتب ابن سينا وابن رشد في النفس.

40 جورج طرابيشي، وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ص 132.

41 محمد أبو الوليد بن رشد، تهافت التهافت، ط 3 (القاهرة: دار المعارف، 1981) ص 622-625.

42 طرابيشي، وحدة العقل العربيّ الإسلاميّ، ص 138.

43 يُنظر: ابن رشد، تفسير ما بعد الطبيعة (بيروت: دار المشرق، 1967)، ص 1230؛ جمال الدين العلوي، المتن الرشديّ (الدار البيضاء: دار توبقال، 1986).

44 جلال الدين السيوطي، صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام (القاهرة: دار النصر، 1970).

45 تقي الدين بن تيمية، نقض المنطق (القاهرة: مكتبة السنة المحمديّة، [د.ت.])، ص 132.

46 طرابيشي، مصائر الفلسفة بين المسيحيّة والإسلام، ص 43.

47 هنا يبدو كتاب طرابيشي الأخير في سلسلة نقد نقد العقل العربيّ ذا أهميّة كبرى، يُنظر: طرابيشي، من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث (بيروت، دار الساقي: 2010).

48 طرابيشي، من النهضة إلى الردة (بيروت: دار الساقي، 2000)، ص 9-44.

49 طرابيشي، مصائر الفلسفة بين المسيحيّة والإسلام، ص 126.