نحو إعادة بناءقيم التّنوير في عالم مُتغيِّر (الجزء الأول)

كمال عبد اللطيف*

doi:10.17879/mjiphs-2022-3893

ننطلق في عملنا من اعتبار أن قيم عصر الأنوار تتعرَّض اليوم لامتحانات عميقة في سياق تاريخها المحلي والكوني، وذلك بحكم الطابع العام لمبادئها، وبحكم تشابه تجارب البشر في التاريخ، وتشابه عوالمهم الروحية والمادية في كثير من مظاهرها وتجلياتها. ولهذا نُصادر في هذا العمل، على كونية مطلب الأنوار اليوم، ليس أنوار القرن الثامن عشر، بل الأنوار كما تطورت في التاريخ، مع ضرورة التمييز بين طابع المطلب في حاضرنا وثقافتنا العربيّة، وطبيعته في حاضر المجتمعات الغربية، التي رسَّخت جوانب عديدة من قيمه خلال القرنين الماضيين. لا نستكين في نظرتنا لعصر الأنوار ومكاسبه، إلى تصورات ورؤى فكرية مُغلَقة، قدر ما نسلم بجملة من المبادئ النظرية التاريخيّة العامة، التي نعدها بمثابة الروح الناظمة لخياراته الفلسفيّة، الهادفة إلى تطوير النظر في قضايا الإنسان والمجتمع والطبيعة والتاريخ. نقرأ الإسهام النظري لعصر الأنوار في سياق تطور الفلسفة الحديثة، وذلك من زاوية يتم فيها استيعاب ثورات المعرفة والسياسيّة، كما تحققت وتتحقق في التاريخ الحديث والمعاصر، وفي أوروبا بالذات موطن التشكل الأول للمشروع الأنواري، ثم في باقي مناطق وقارات العالم الأخرى بحكم شروط التحول العالمية، التي واكبت عمليّة نشر وتعميم قِيَّمِه في مختلف ثقافات العالم. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أننا نعتني في هذا العمل بموضوع التنوير ليس باعتباره لحظة في التاريخ (عصر الأنوار)، رغم أنه نشأ كذلك. إن مقاربتنا له تستند إلى روحه، أي إلى التنوير باعتباره فعالية نظرية نقدية ما تفتأ تتأسس.

كلمات مفتاحية: تنوير؛ النهضة العربيّة؛ مثاقفة؛ عالم مُتغيِّر

* أستاذ الفلسفة السياسيّة والفكر العربيّ المعاصر بجامعة محمد الخامس في الرباط.

Towards a Reconstruction of Enlightenment Values in a Changing World (Part I)

Kamal Abdellatif*

In this study, I consider that the Age of Enlightenment values are subjected to profound tests today in the context of its local and global history, due to the general nature of its principles and to the similarity of human spiritual and civilized experiences, in many of their manifestation. That is why I emphasize in this study that the demand for enlightenment today is universal, not the enlightenment of the eighteenth century, but rather enlightenment as it developed in history, with the need to distinguish between the nature of the demand in Arab societies and in Western societies. In my view of the European Enlightenment Experience, I do not stop at closed conceptions, rather, I accept a set of general historical theoretical principles, which I consider as the organizing spirit of its philosophical choices. I read the theoretical contribution of the Enlightenment in the context of modern philosophy and from an angle in which knowledge and political revolutions are assimilated, as they have achieved and are being realized in modern and contemporary history, whether in Europe or in other regions of the world. It must be pointed out here, that in this study I am concerned with the subject of the Enlightenment not as a moment in history; my approach is to consider the Enlightenment as a critical theoretical activity that is still being established.

Keywords: Enlightenment; Arab Renaissance; Acculturation; Changing World

* Professor of Political Philosophy at Mohammed V University in Rabat.

«حين نطرح على العالم العربيّ المفاضلة الرهيبة، بين بقاء الإسلام والولاء للماضي من جهة، وبين الانطلاق في طريق المستقبل من جهة أخرى، فإننا نحسره في جدليّة البؤس».

هشام جعيط

«القرآن، في منحاه العام، ترجيعة متجددة، متسارعة، متناميّة لنغمة واحدة، ردَّة عنيفة على صدمة مروِّعة وكشفٍ مذهلٍ (…) الألفاظ، المُثُل، المجازات والتشبيهات، كل ألوان الخطاب المستعملة في القرآن، وما أكثرها، لا تخرج عن هذا المنحى. القاموس متجانس واحد».

عبد الله العروي

أوليات

- 1 -

تثير موضوعات من قَبِيل الإسلام والتّنوير، الإسلام والديمقراطيّة، الإسلام والعلم أسئلة عديدة، الأمر الذي يَقتضي ضرورة بلورة صيغٍ واضحة ودقيقة في ضبطها، صِيغٍ تستبعد ما يُقْرَنُ بها من معانٍ ودلالات، تحوِّل الإسلام إلى إطار للتميُّز والخصوصيّة والاستثناء، وكأن لا علاقة تجمعه بالدين على وجه العموم، وديانات الكتاب على وجه الخصوص. ونعتقد أن الذين يتحدثون عن الثنائيات التي ذكرنا، لا يعيرون أدنى اهتمام للطابع المركَّب لمفردة الإسلام، وذلك رغم معرفة البعض منهم أن الإسلام مُعتقدٌ وتاريخ وثقافة، وأنه امتلك في التاريخ مواصفات الحَدَث الصانع لتاريخ متواصل. وبجانب ذلك، يمكن أن نشير أيضًا، إلى أن دلالات التّنوير بدورها بُنيت في الفكر الأوروبي الحديث بصورة مُركَّبة، وأنها صنعت أيضًا خيارات في الفكر وفي الحياة متطوِّرة ومتناقضة، عكس ما يعتقد بعض من عملوا على تحويل فكر الأنوار في سياقات تاريخيّة محدَّدة، إلى دوغما مطلقة ومغلقة. صحيح أن أوروبا الحديثة أنتجت فكر النهضة والإصلاح الدينيّ، وتَوَّجت إنتاجها المذكور، بعقلانيّة الأنوار ونزعتها الإنسانيّة، وأن هذه العقلانيّة اكتسحت العالم، ولم تعد أنوارًا لأوروبا، بل تطورت واتسعت، وأن تطورها ركّب في قلبها مسارات مختلفة عن روح المبادئ والتطلعات، التي ساهمت في صناعة كثير من أَوْجُهِها1. وصحيح أيضًا أن الإسلام، عقيدة تغطي اليوم فضاءات كبيرة خارج جغرافيّة المنطلق والبداية، وأن ثقافته صنعت أكثر من تأويل له ولتاريخه2.

- 2 -

لم يعد بإمكاننا بعد مرور ما يقرب من مئتي سنة، على انخراط الثقافة العربيّة في عمليّة تمثُّل مقدمات وأصول الثقافة الغربيّة الحديثة والمعاصرة، ومساهمة أجيال من النهضويين والموسوعيين والكتَّاب العرب في تطوير الرصيد الثقافي العربيّ، أن نتنكر لمكاسب ومنجزات هذه الثقافة، وللأدوار التي قامت بها في مجال تطوير فكرنا المعاصر. لم يعد بإمكاننا أن نواصل النظر إلى منتوج هذه الثقافة وفي قلبه فكر التّنوير، باعتباره خارجًا نشأ وتطوَّر بمحاذاة ثقافتنا، بل إنه يعتبر اليوم رافدًا هامًا من روافد ذاتنا التاريخيّة المتحوِّلة، وهو خلاصة لأشكال من المثاقفة حصلتْ بيننا وبين الآخرين، ويتواصل اليوم حصولها بصور وأشكال عديدة في حاضرنا. نقول هذا بلغة ومنطق التاريخ، وذلك رغم كل مظاهر العنف الرمزي والمادي، التي واكبت عمليات انتقال المنتوج المذكور إلى ثقافتنا. ونتأكد من أهميّة هذه المسألة، عندما نُعايِن أنماط اللغة والوعي الجديدين في ثقافتنا المعاصرة3.

- 3 -

تسمح لنا هذه الأوليات، أن نفكر في موضوع سرديات الإسلام والتّنوير، بطريقة مُغايِرة لِما هو سائد، إنها تمكِّننا من النظر في سياقات التّنوير وصور تطوُّره هنا وهناك، خارج الحدود الفاصلة بين الثقافات والمجتمعات والطموحات البشريّة. وسنحاول من خلال محاور ورقتنا، وما يمكن أن يترتَّب عنها من نتائج وخلاصات، التفكير في مآلات التّنوير في سياق تطوُّر الفكر الأوروبي، لنقترب من أشكال تلقي قِيَّمِهِ في ثقافتنا، بحثًا عن أفق نروم انطلاقًا منه، التفكير في مسألة إعادة بناء بعض مبادئه في عالم متغير.

ننطلق في عملنا من اعتبار أن قيم عصر الأنوار تتعرَّض اليوم لامتحانات عميقة في سياق تاريخها المحلي والكوني، وذلك بحكم الطابع العام لمبادئها، وبحكم تشابه تجارب البشر في التاريخ، وتشابه عوالمهم الروحيّة والماديّة في كثير من مظاهرها وتجلياتها. ولهذا نُصادر في هذا العمل، على كونيّة مطلب الأنوار اليوم، ليس أنوار القرن الثامن عشر، بل الأنوار كما تطورت في التاريخ، مع ضرورة التمييز بين طابع المطلب في حاضرنا وثقافتنا العربيّة، وطبيعته في حاضر المجتمعات الغربيّة، التي رسَّخت جوانب عديدة من قيمه خلال القرنين الماضيين.

- 4 -

لا نستكين في نظرتنا لعصر الأنوار ومكاسبه، إلى تصورات ورؤى فكريّة مُغلَقة، قدر ما نسلم بجملة من المبادئ النظريّة التاريخيّة العامة، التي نعدها بمثابة الروح الناظمة لخياراته الفلسفيّة، الهادفة إلى تطوير النظر في قضايا الإنسان والمجتمع والطبيعة والتاريخ. نقرأ الإسهام النظري لعصر الأنوار في سياق تطور الفلسفة الحديثة، وذلك من زاويّة يتم فيها استيعاب ثورات المعرفة والسياسيّة، كما تحققت وتتحقق في التاريخ الحديث والمعاصر، وفي أوروبا بالذات موطن التشكل الأول للمشروع الأنواري، ثم في باقي مناطق وقارات العالم الأخرى بحكم شروط التحول العالميّة، التي واكبت عمليّة نشر وتعميم قِيَّمِه في مختلف ثقافات العالم. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أننا نعتني في هذا العمل بموضوع التّنوير ليس باعتباره لحظة في التاريخ -عصر الأنوار-، رغم أنه نشأ كذلك. إن مقاربتنا له تستند إلى روحه، أي إلى التّنوير باعتباره فعاليّة نظريّة نقديّة ما تفتأ تتأسس باستمرار، إنه موقف من الراهن وطريقة في التفكير، وهو يستمد اليوم راهنيته الكونيّة من الخاصيّة النقديّة الملازمة له4.

- 5 -

عندما نتخلَّى عن المواقف الحديّة، أثناء فحصنا لموضوع هذه الدراسة -في جزأيها الأول والثاني-، ونكف عن اعتبار قيم الإسلام بمثابة طريق يُفضي إلى التّنوير، أو استبعاد البعد التّنويري تمامًا من أفقه، نقف على جملة من المعطيات المركَّبة، سواء في أدبيات التّنوير أو في كيفيات تمثُّله في فكرنا المعاصر. يتجلى ذلك، في كون كتابات الموسوعيين من الفلاسفة، حملت في أصولها بعض أوجُه تناقضات التاريخ وصراعاته. وقد حاول الفكر العربيّ طيلة القرنين الماضيين، إنجاز عمليات في تمثُّل وترجمة قيم التّنوير ثم توطينها، عن طريق امتحانها في علاقاتها مع القيم الموروثة، فأنتج بدوره معطيات تأرجحت بين التبشير والتأويل، ثم بدايات التركيب المبدع. ولم يكن الأمر سهلًا، وزاده تعقيدًا ارتباطه بشروط التاريخ الجديدة المرتبطة بالهيمنة والاستعمار، والمرتبطة في الآن نفسه، بالإعلاء من قيم العقل وجدارة الإنسان بالوجود.

نُركِّب في عملنا أربعة محاور كبرى تُقرِّبنا من الأفق الذي ننشده. نتناول في الأول منها، الذي خُصص لهذا الجزء، ما يوضح بشكل مكثَّف أبرز سمات عصر الأنوار، كما تبلورتْ في الفكر والتاريخ الأوروبيين، مع إشارات عامة لصيرورته وأنماط تحوله في الفكر المعاصر. ثم ننتقل في الجزء الثاني إلى المحاور الأخرى: عالجنا في محور كيفيات تلقي مبادئ التنوير وقيمه وتوطينها، بل وإعادة إبداعها في الفكر العربيّ المعاصر، ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، دون أن ننسى التوقف أمام نصوص بعض الذين يواصلون إلى يومنا هذا، مُخَاصَمَة روحها ومبادئها؛ ونفحص في محور، حدود وآفاق التّنوير في ثقافتنا ومجتمعنا، لنمهِّد في المحور الأخير، لمسألة البحث في كيفيّة إعادة بناء روح الأنوار في عالم متغير.

التّنوير ثورة فكرية

- 1 -

لا نتجه في الجزء الأول من هذه الدراسة، لبناء ما يمكن أن يدرج ضمن نمط من أنماط التاريخ لفكر الأنوار، بل إننا نروم أساسًا الوقوف أمام أبرز السمات التي ميزت عصر الأنوار في الفلسفة الحديثة، وذلك لاقتناعنا بصعوبة المسعى التأريخي، وانفتاحه على إشكالات ترتبط بالفلسفة والسياسة والتاريخ، ولأن الموضوع يتمتع اليوم براهنيته، سواءٌ في الفلسفة الغربيّة أو في الفكر العربيّ المعاصر. وسنوجه عنايتنا نحو إبراز أهم دروس فلسلة الأنوار، ذات الصلة بأسئلة ومحاور المؤتمر، حيث يمكن أن تساعدنا هذه الدروس في التعرف على أشكال تلقيها في فكرنا، الأمر الذي يتيح لنا الاقتراب من السياقات التاريخيّة والنظريّة التي تجعلنا نتطلع اليوم، إلى مشروع إعادة بناء قيم التّنوير في عالم متغير.

نشأت حركة التّنوير في الفلسفة، واتخذت منذ بداية تشكلها على أيدي الموسوعيين من الكتَّاب والفلاسفة في فرنسا، شكل الفعاليّة الاجتماعيّة الهادفة إلى مواجهة مجموعة من القيم والخيارات الدينيّة والسياسيّة. وعكست في نصوص كتابها ما يعبر عن أنماط من المجابهة، بين الوعي الجديد وبين التقاليد الدينيّة السائدة5. وقد تشكلت وتطورت مبادئ وقيم التّنوير في أوروبا القرن الثامن عشر، وبرزت بوضوح في كل من فرنسا وألمانيا، وإن كانت إرهاصاتها الأولى قد ظهرت قبل ذلك في بريطانيا. ثم تواصل انتشارها واتساعها في جهات أخرى من العالم ابتداء من القرن التاسع عشر6.

انخرط التّنويريون في مشروع فكري يتوخى أولًا وقبل كل شيء، إنجاز نقد شامل للدين وللمجال الدينيّ، وذلك باعتماد سلطة العقل كما تبلورت وتطورت في الفلسفة الحديثة. وأصبح الدارسون لا يترددون في مرادفة التّنوير بالنقد والنقد بالتّنوير، بحكم أن أغلب فلاسفة الأنوار انصب اهتمامهم الفكري، على مخاصمة مختلف التقاليد، التي بناها اللاّهوت المسيحي في مختلف مجالات الحياة في العصور الوسطى. وقد تعززت خياراتهم في الفلسفة، بفضل ما واكبت من ثورات وتحولات علميّة وسياسيّة في أوروبا الحديثة، حيث اقترن مشروعها الفلسفيّ بالإصلاح الدينيّ، وبثورات الفيزياء والفلك والرياضيات، كما اقترن بالتطور الذي عرفته الجامعات والصناعات في الغرب الأوروبي، خلال القرنين الثامن والتاسع عشر7.

كان من نتائج الثورات العلميّة، بدايات التخلص من كثير من التصورات والتقاليد اللاهوتيّة في مختلف المعارف، في اللغة وفي التاريخ وفي كيفيات النظر إلى الطبيعة وموضوعاتها. وتمنحنا مواد الموسوعة التي أعدت في أفق الأنوار8، إطارًا عامًا لمعرفة المسارات التي عكست أشكال تجاوز المعرفة الجديدة، لمنطق العقائد الدينيّة وانتصارها مقابل ذلك، للعقل والعقلانيّة. وقد أصبحت فلسفات الأنوار بفضل معاركها وخياراتها المذكورة، من أبرز مرجعيات الفكر الغربي المعاصر.

- 2 -

نريد أن نوضح هنا، أن فلسفة الأنوار لم تتبلور في أنساق فلسفيّة على شاكلة فلسفات ومذاهب القرن السابع عشر، إنها لم تنتج منظومات مماثلة لما عهدناه في الديكارتيّة والهوبزيّة والسبينوزيّة. ومقابل ذلك، عمل فلاسفة الأنوار على تركيب جملة من المعارف المفتوحة على الحياة والقيم، متوخين من وراء ذلك، القيام بدور اجتماعيّ يروم نشر الأفكار المساعدة في عمليّة إشاعة قيم العقل والنقد، إشاعة وتعميم التّنوير. وقد بُنِيتْ ورُتِّبت كثير من معالم التّنوير باعتباره أفقًا في النظر، يتوخّى مواجهة التقاليد والطقوس المهيمنة في المجتمع وفي الثقافة، وذلك بالشكل الذي يُقلِّص من درجات قصور الإنسان أمام ذاته وأمام الطبيعة والتاريخ. وتمثلت فتوحاتها الكبرى في العناية البارزة التي أولتها لقضايا الإنسان والتاريخ والتقدم9.

عندما نتحدث عن قيم التّنوير، فإننا لا نتحدث عن قيم جاهزة مغلقة وتامة، قدر ما نشير إلى جملة من المبادئ العامة التي تخص البشر في التاريخ. صحيح أن مفهوم الأنوار يحيل إلى مرجعيّة فلسفيّة محدَّدة، إلا أنه لا أحد يستطيع أن يقطع باكتمال هذا المشروع في أوروبا موطن تبلوره الأول، ولا في باقي مجتمعات المعمور، وقد سعت في أغلبها إلى امتحان قيم الأنوار في سياقات تاريخها المحلي والخاص، الأمر الذي أنتج خلال مراحل التاريخ المعاصر، جملة من التصوُّرات المركِّبة لعمليات الاستيعاب المتعدِّد لقيم التّنوير. إن مفاهيم وقيم الأنوار كما نتصورها ونفكر فيها، تستوعب ذلك وتتجاوزه، وذلك بناء على معطيات التاريخ الذي ساهم في تبلورها، وَتَبَلْوُرِ مختلف المكوِّنات المتناقضة والمتصارعة، التي نشأت وما فتئت تنشأ في سياقات صيرورتها.

نتصوَّر أن التّنوير في الفكر والسياسة، كما رُكِّبت أسئلته ومفاهيمه ونصوصه الكبرى، في الغرب الأوروبي خلال القرون الأربعة الماضية، وإن أفضى إلى جملة من النتائج المتناقضة، إلا أنه ساهم في خلخلة كثير من اليقينيات. لقد ظل في روحه العامة مجرد أفق في النظر، مستوعب لجوانب من تحولات الفكر والسياسة كما حصلت في التاريخ. إنه ليس عقيدة، رغم أن فلسفات التّنوير بلورت جهودًا في النظر إلى الطبيعة والإنسان والدين، مختلفة في كثير من أوجُهها عن تلك التي رسخت أنماطها أشكال الفكر السكولائي، التي سادت فلسفات العصور الوسطى.

وُسِم القرن الثامن عشر بعصر النقد، بحكم انخراط فلاسفته وكُتَّابه في مشروع نقدي شامل، وخاصة في المجالين الدينيّ والسياسيّ. وإذا كنا نعرف الهيمنة التي كانت للدين في أوروبا العصور الوسطى، وإلى حدود مرحلة الإصلاح الدينيّ في عصر النهضة، أدركنا اتساع مجالات النقد في مشروع الأنوار، كما عكستها وعبرت عنها أعمال ڤولتير (1694-1778) وديدرور (1713-1784) ولسنج (1729-1781) ودالمبير (1712-1778) وروسو (1712-1778) وكانط (1724-1804) وغيرهم من الموسوعيين.

استوعبت مقالة ديدرو عن الكتاب المقدس المنشورة في الموسوعة، جردًا لأبرز خطوات النقد الضروريّة لفحص الوحي وسياقاته التاريخيّة واللفظيّة، وشكلت أحد أوجُه مواقف التّنوير من الدين10. إلا أنه يجب الانتباه إلى أن النقد في مدونات الأنوار، لم يقتصر على الوحي وعلى الفكر الدينيّ والسلطة السياسيّة المستبدة، بل ذهب أبعد من ذلك، فبرزت المعالم الكبرى لحقوق ومواثيق خارج دائرة الحق الإلهي للملوك ووصاياه، كما تبلورت أخلاق لا علاقة لها باللاّهوت، وسياسة تتوخَّى تحويل الرعايا إلى مواطنين، إضافة إلى خطوات أخرى، تُعْنَى ببناء مبادئ جديدة في مجالات التّربية والتّعليم11.

- 3 -

ساهمت جهود الفلاسفة في الغرب الأوروبي ابتداء من القرن السابع عشر، في رسم بعض أسس ومبادئ فلسفة الأنوار، ساعدهم في إنجاز هذه المهمة انفتاحهم على مكاسب العلوم الجديدة، التي واكبت ثورات المعرفة والمجتمع منذ عصر النهضة في القرن السادس عشر. ونفترض أن التحولات التي يعرفها عالمنا اليوم، في المعرفة والتقنيّة وفي مجال القيم، تستدعي بدورها لزوم إعادة التفكير مجددًا في مبادئ وقيم التّنوير، بهدف مزيد من توسيع وتطوير مكاسبه، في ضوء إشكالات الحاضر وتناقضاته وكذا مستجداته12.

إن قوة الموقف الفلسفيّ الذي حمله ويحمله مشروع التّنوير، تتمثل أولًا وقبل كل شيء في الوعي بمبدأ المخاطرة الإنسانيّة، الساعية إلى التغيير استنادًا إلى قيم بديلة لقيم التقليد المتوارثة، حيث فجرت مغامرة البحث الإنسانيّ، ابتداءً من عصر النهضة آفاقًا واسعة أمام العقل البشري، الأمر الذي ترتب عنه، تبلور مجموعة من القيم المعرفيّة والأخلاقيّة الجديدة، في المسائل المتعلّقة بالطبيعة والإنسان والمستقبل. وقد ألَحّ كانط وهو يتحدث عن الأنوار على استقلاليّة العقل الإنسانيّ، كما ألح على تحلي العقل الإنسانيّ بالإقدام وتجاوزه لحالة الاعتماد على غيره، وإذا كانت مجتمعات الغرب الأوروبي قد ساهمت منذ ما يزيد عن أربعة قرون، في عمليّة بناء هذه القيم، فإن هذه المسألة لا ينبغي أن تجعلنا ننسى أهميّة التراكمات التاريخيّة المتعددة، التي أنجزتها مجتمعات أخرى خارج القارة الأوروبيّة، وهي تحاول تمثل وامتحان هذه القيم، مُسْتَوْعِبَةً مختلف المكاسب والمآثر التي راكمتها التّجربة الأوروبيّة، وذلك في ضوء الأسئلة والقضايا المرتبطة بشروطها التاريخيّة والثقافيّة، الأمر الذي يجعلنا لا نتردَّد في إضفاء الطابع الكوني، على ما أصبحت تمثله اليوم هذه القيم في مختلف أرجاء عالمنا، بعد أن تَمَّ اختبار جوانب عديدة من إجرائيتها، خلال القرنين الماضيين في ثقافة كثير من المجتمعات.

لم تكن مواقف فلاسفة الأنوار وخياراتهم النظريّة موحدة ولا متشابهة دائمًا، وعندما نُتابع المنجز النظري لروسو على سبيل المثال، نجد أن كثيرًا من آرائه لا تنسجم مع الاندفاعات التّنويريّة ذات المنزع الوضعي، وشكَّلت دعوته المتعلّقة بالعودة إلى الطبيعة وإعلاؤه من قيمة التّربية والفنون ما يمكن اعتباره بمثابة موقف من حماس كثير من الأنواريين للتقدم. وقد كان لكثير من عناصر فلسفته صدى واسع في الفكر الألمانيّ والتّنوير الألمانيّ13.

عرفت فلسفات التّنوير خلال القرون الثلاثة الماضيّة إشكالات عديدة، سواء في أشكال تطورها أو في صور تمثُّلها، وكذا في مسألة تراجُع درجات الإقناع والاقتناع بالأدوار التي تحملها قيمها. وقد ساهم تحويل بعض هذه المبادئ والقيم إلى مطلقات داخل الفضاءات المتحمسة والمنفعلة بمآثر التّنوير، إلى الابتعاد عن روح التنسيب الْمَقْرُونَة بخياراتها الفلسفيّة. وإذا كان فعل العقلنة في فلسفة الأنوار يروم تحرير الإنسان، فإن المسار الذي اتخذه الخيار العقلاني في المجتمعات البرجوازيّة بعد ذلك، حَوَّل العقل والعقلنة إلى مجرد أداة لخدمة مصالح بعينها، الأمر الذي ساهم في تركيب عبوديات جديدة ومختلفة عن عبوديّة اللاّهوت14. ويمكن أن ندرج النظريّة النقديّة الجديدة لهوركهايمر(1895-1973) وأدورنو (1903-1969) وهما معًا ينتميان إلى مدرسة فرانكفورت في البحث الاجتماعيّ، في باب نقد السياسات التي تمارسها الأنظمة الشموليّة، باسم العقل والتقدم. وقد قاما في كتاب مشترك لهما بعنوان جدليّة التّنوير بالبحث في أصول الأنظمة الشموليّة، ليؤكدا وجود علاقة بين العقل الأداتي وبين جنون الأنظمة المذكورة والتّنوير15. وهو ما يمكن إدراجه في مجال النقد السلبيّ للتنوير، مقابل النقد الإيجابي الذي نجده في بعض أعمال كل من ماكس ﭬﻳﺑﺭ وهابرماس، وقد اجتهدا في مواجهة منتقدي عقلانيّة الأنوار، وبناء حركة تنوير جديدة، حركة تأخذ متغيرات عصرهما بعين الاعتبار، أثناء تفكيرهما في صيرورة ومآلات مشروع التّنوير16.

- 4 -

نجد أثناء متابعتنا لتاريخ التّنوير في الفكر الغربي، مجموعة من المواقف النقديّة التي اتجهت إلى إبراز حدود ومحدوديّة قيمه. نعثر في أعمال نيتشه على نقد للتصور الأنواري للتقدم وللتاريخ، وتستوعب الروح الساخرة لأعماله، نقدًا لمفهوم الخلاص كما صاغته الأديان والفلسفات المثاليّة، ولم تستطع أدبيات الأنوار الماديّة والمعنيّة بمختلف مجالات الحياة التخلص منه. وقد حَرِص نيتشه وهو ينتقد فكر الأنوار، على بناء فكر يقوم على تمجيد ورطة الإنسان في الوجود. كما أن هناك من اتجه للدفاع عن الطابع المتفائل لعقلها الأداتي، ولاندفاعاته التي كشفت جوانب معينة من صلاته بالأنظمة الشموليّة وبالاستعمار، حيث تَمَّ الربط بين الأنوار وبين الطابع المدمِّر للعلم والتقنيّة، وقد وضَّح هؤلاء أن مسار الأنوار جعلنا ننتقل من مبدأ التسامي بالعقل إلى توظيفه النفعي، في الصراعات والحروب.

تصاعدت وتيرة نقد الحداثة والتّنوير في فلسفات ما بعد الحداثة، وإذا كان البعض قد تحدث عن خسوف العقل وانطفائه17، فإن الانتقادات الصادرة عن فلسفات ما بعد الحداثة، قد اتجهت لإبراز محدوديّة نقد الأنوار. وبناء على مفردات أخرى تسمح بأداء أدواره، مثل الهدم والتقويض والتفكيك، أي محاصرة مركزيّة العقل والانفتاح على آفاق فكريّة جديدة18. ويمكن أن نوضح هنا، أن بعض المواقف النقديّة التي ذكرنا، تنطلق من صور التوظيف والتوجيه التي عَمِلَت على ربط صورة العقل والعقلانيّة بخيارات سياسيّة محدَّدة19، مُغفلة أن مآثر العقل والعقلنة ومكاسب العلم والتقنيّة، يمكن استخدامها لخدمة السلام والتضامن والتعاون، كما يمكن توظيفها في الحروب والصراعات، حيث نجد أنفسنا أمام إشكالات أخرى لا علاقة لها بالتّنوير وقيمه20.

يتواصل نقد فلسفة الأنوار في الفكر المعاصر من منظور يتبنى أصحابه بعض مقدمات الأنوار، ويتطلعون إلى ضرورة إعادة النظر في منظومته النظريّة، في ضوء ما لَحِق المجتمعات المعاصرة والفكر المعاصر من تحولات وثورات، وهم يواصلون التفكير في العقل والحريّة والعدالة. وضمن هذا الأفق، تبلور نقد إيجابي لإرث التّنوير، فوجدنا هابرماس يحاول في أعماله تعزيز تفاؤليّة الأنوار، وذلك بإسنادها بعقلانيّة الماركسيّة، معتبرًا أن الكوارث الكبرى الحاصلة في القرن العشرين لا علاقة لها بفلسفة الأنوار، كما ظن مؤسسو النظريّة النقديّة الجديدة في مدرسة فرانكفورت، بل إنها دليل على غياب العقل21. وقد ساهمت أعماله في تطوير عقلانيّة الأنوار، مستعينًا في ذلك باﻟﭭﻳﺑﻳﺭيّة والفلسفة النفعيّة والفلسفة الماركسيّة. وهو يرى أن العقلانيّة التواصليّة تعد الطريق المناسب لتنوير القرن العشرين، إنها بديل للعقلانيّة الأداتيّة، التي انتقدها هوركهايمر وأدورنو في جدليّة التّنوير، وانتقدها ماركوز في كتابه الإنسان ذو البعد الواحد22. الأمر الذي يفيد، أن النظريّة النقديّة الجديدة تحولت في النهاية إلى حركة تنوير جديدة، حركة تعكس الملامح الكبرى للتنوير في القرن العشرين.

انتبهت الثقافات غير الغربيّة بدورها إلى محدوديّة بعض خيارات قيم التّنوير وتناقضاتها، وحاولت بلورة نقد يتوخى إعادة بناء بعض مبادئه، في ضوء معطيات ثقافيّة وتاريخيّة مخالفة للسياقات التاريخيّة المؤطرة لعمليات تشكُّله، كما سنوضح ذلك من خلال أمثلة محدَّدة في هذا العمل. الأمر الذي ساهم في تطوير وتوسيع بعض مبادئه، بالصورة التي تمنحها مرونة أكبر وإجرائيّة أوسع. وقد ساهم ذلك في تحويل الأفق الأنواري إلى أفق كوني، تساهم ثقافات عديدة في تصليب وتدعيم خياراته23.

نحن نشير إلى بعض ردود الفعل التي عكست بعض مستويات تفاعل ثقافتنا مع فكر الأنوار، في نهاية القرن التاسع عشر، وخاصة مع جمال الدين الأفغاني (1838-1897) في رسالته التي يرد فيها على الدهريين ويدحض خياراتهم، وذلك مقابل تمجيده لشموليّة وسُمُوِّ قيم الإسلام24. وقد تمظهر الموقف نفسه بالمفردات نفسها، مع تلوينات بسيطة من قبِيل الدّهراني بدل الدّهري، في نهاية القرن الماضي ومطالع هذا القرن، في أعمال الباحث المغربي طه عبد الرحمن، التي تناول فيها ما أَطْلَق عليه بؤس الدهرانيّة وشرود ما بعد الدهرانيّة، مبرزًا أهميّة الأخلاق الروحانيّة في الحياة الإنسانيّة25. وهو ما سنتطرق إليه بشكل أكثر تفصيلا في الجزء الثاني من هذه الدراسة.

وإذا كان البعض يرى اليوم من منظور عقائدي، أن نموذج التّنوير الغربي المحكوم بشروط وسياقات وأسئلة محددة، قد استنفد زمانه، حيث يعيش الغرب اليوم مآزقه الأخلاقيّة والماليّة والبيئيّة والتقنيّة. وحيث نقف في كثير من أنماط حضوره على جوانب من بُؤْس عالمنا وإفلاس قِيَّمه26، إلا أننا نرى أن الفكر الذي يُخاصم الأنوار، لِيَتَحَصَّن بالقيم التقليديّة ويُرَكِّب الأصوليات مجدَّدًا، متخليًا عن مآثرها في النظر النقدي، وفي عمليات التحرر من قيود اللاّهوت، يتناسى أن قيم التّنوير كانت وما تزال تشكل عتبة ضمن مشروع في الحداثة والتحديث، وهو مشروع تاريخيّ مفتوح ويمتلك القدرة على إبداع مساراته المتعدِّدة، كما يمتلك القدرة على مواجهة أعطابه27.

خاتمة

حرصنا في هذا الجزء الأول من الدراسة على إبراز السياقات والإشكالات التاريخيّة والنظريّة، المرتبطة بتبلور مشروع الأنوار في أوروبا القرن الثامن عشر، وذلك لوعينا بكون جوانب هامة من مقدماته النظريّة وحزمة هامة أيضًا من القيم التي بناها ودافع عنها، ترتبط بمآزق اللاهوت والمؤسسات الراعيّة له في عالم بدأ يتغير. وعند انتقالنا للنظر في الانتقادات التي وضعت حدودًا للتنوير وخطاباته، انتبهنا إلى صلتها بمجمل التحولات المؤسِّسة لأفق النقد الجديد في تاريخ الفلسفة، سواء تحولات التاريخ والسياسة أو تحولات الفكر والمجتمع المواكِب لها.

في حين، سننتقل في الجزء الثاني، إلى معاينة وتشخيص كيفيات تفاعل الفكر العربيّ خلال القرنين الماضيين مع مكاسب التّنوير، بهدف الوصول إلى ما يوضح مساعينا الرامية، إلى مواصلة إعادة التفكير في مبادئها وقيمها في عالم متغيِّر، وبناء على شروط وسياقات نظريّة تاريخيّة، مختلفة عن الشروط التي احتضنتْ عمليات تبلورها وتطوُّرها.

قائمة المراجع

الأفغاني، جمال الدين. الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني. تحقيق محمد عمارة. القاهرة: المؤسسة المصريّة العامة للتأليف والنشر، 1968.

بشارة، عزمي. الدين والعلمانيّة في سياق تاريخيّ. الجزء الثاني/ المجلد الأول. العلمانيّة والعلمنة: الصيرورة الفكرية. الدوحة، بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسات السياسات، 2015.

جعيط، هشام. أزمة الثقافة الإسلاميّة. بيروت: دار الطليعة، 2000.

عبد الرحمن، طه. سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية. بيروت: المركز الثقافي العربيّ، 2000.

عبد اللطيف، كمال. أسئلة النهضة العربيّة: التاريخ، الحداثة، التواصل. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2003.

عبد اللطيف، كمال. قراءات في الفلسفة العربيّة المعاصرة. بيروت: دار الطليعة، 1994.

Attali, Jacques. Histoire de la modernité: comment l’humanité pense son avenir. Paris: Robert Laffont, 2013.

Cassirer, Ernst. La philosophie des lumières. Paris: Fayard, 1966.

Castells, Manuel. Fin de millènaire. L’ère de L’information 3. Paris: Fayard, 1999.

________. La société en réseaux. L’ère de L’information 1. Paris: Fayard, 1998.

________. Le peuvoir de l’identité. L’ère de L’information 2. Paris: Fayard, 1999.

Djaït, Hichem. L’Europe et l’Islam. Paris: seuil: 1978.

Foucault, Michel. “Qu’est-ce que les Lumières ?”. Le magazine littéraire. no. 309 (avril 1993), p. 61-73.

Horkheimer, Max & Theodor W. Adorno. La dialectique de la raison. Paris, Gallimard, 1983.

Horkheimer, Max. Eclipse de la raison. Paris: Payot, 1974.

Kant, Emmanuel. Critique de la faculté de juger suivi de idée d’une histoire universelle au point de vue cosmopolitique, et de Réponse à la question : Qu’est-ce que les Lumières?. Paris: Gallimard, 1985.

Marcuse, Herbert. L’homme unidimensionnel: Essai sur l’idéologie de la société industrielle avancée. Paris: Les Ed. de Minuit, 1971.

Raabe, Paul & Wilheim Schmidt-Biggemann. Les lumières en Allemagne. Bonn: Hohwacht, 1979.

Renaut, Alain (ed.). Les critiques de la modernité politique. Histoire de la philosophie politique. vol. 4. Paris: Calmann-Levy, 1999.

________(ed.). Les philosophies politiques contemporaines. Histoire de la philosophie politique. vol. 5. Paris: Calmann-Levy, 1999.

________(ed.). Lumieres et romantisme. Histoire de la philosophie politique, vol. 3. Paris: Calmann-Levy, 1999.

Rousseau, Jean-Jacques. Émile ou de l’éducation. Paris: Garnier, 1961 [1762].


1 يستوعب كتاب هشام جعيط أوروبا والإسلام، نقاشًا هامًا في موضوع أوروبا التاريخيّة وأوروبا الكونية. كما يتضمن مناقشة مسألة الصوَر النمطيّة عن الإسلام، ويناقش فيه المؤلف أيضًا، مُتخيَّل الإسلام في الفكر الأوروبي، وصورة أوروبا في الثقافة العربيّة الإسلاميّة. يُنظر:

Hicham Djait, L’Europe et l’Islam (Paris: seuil: 1978), p. 112.

2 Ibid, p. 134.

3 كمال عبد اللطيف، أسئلة النهضة العربيّة: التاريخ، الحداثة، التواصل (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2003)، ص 142-172.

4 Michel Foucault, “Qu’est-ce que les Lumières ?”, Le magazine littéraire, no. 309 (avril 1993), p. 61-73.

5 Ernst Cassirer, La philosophie des lumières (Paris: Fayard, 1966), p. 42.

6 Alain Renaut (ed.), Lumieres et romantisme, Histoire de la philosophie politique, vol. 3 (Paris: Calmann-Levy, 1999), p. 57-78.

7 تحدثنا عن أبرز التحولات المواكبة لتبلور فكر الأنوار، ويحيلنا المرجع الذي نحن بصدده على أهم التحولات الجارية اليوم في عالمنا، وتستدعي لزوم مراجعة قيم الأنوار. نقصد بذلك ثلاثيّة إيمانويل كاستلز: عصر المعلومات، يُنظر:

Manuel Castells, La société en réseaux, L’ère de L’information 1 (Paris: Fayard, 1998) ; Le peuvoir de l’identité, L’ère de L’information 2 (Paris: Fayard, 1999) ; Fin de millènaire, L’ère de L’information 3 (Paris: Fayard, 1999).

8 طلب مدير أحد المكتبات من ديدرو ترجمة موسوعة في الفنون والعلوم، ظهرت في بريطانيا سنة 1728، فاختار أن يُصْدِر بدلًا من الترجمة موسوعة مماثلة لها. وتعاون في ذلك، مع صديقه العالم الرياضي وعضو أكاديميّة العلوم دالامبير، وقد صدر مجلدها الأول عام 1751، بمقدمة لدالامبير عنوانها: في أصل العلوم وتصنيفها، اعتبر بمثابة بيانها العام. وقد ساهم في تحرير موادها أزيد من 130 كاتبًا من الأكاديميين والأساتذة والأطباء والمحامين ورجال الصناعة. وكانت تتوخى القيام بدور في إصلاح الحياة السياسيّة والاجتماعيّة، والمساهمة في التمهيد لميلاد مجتمع جديد، يُنظر: عزمي بشارة، الدين والعلمانيّة في سياق تاريخيّ. الجزء الثاني/ المجلد الأول. العلمانيّة والعلمنة: الصيرورة الفكريّة (الدوحة، بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسات السياسات، 2015)، ص 509؛ Cassirer, p. 49.

9 Emmanuel Kant, Critique de la faculté de juger suivi de idée d’une histoire universelle au point de vue cosmopolitique, et de Réponse à la question : Qu’est-ce que les Lumières? (Paris: Gallimard, 1985), p. 497; Paul Raabe & Wilheim Schmidt-Biggemann, Les lumières en Allemagne (Bonn: Hohwacht, 1979), p. 23-36.

10 نشر ديدرو في الموسوعة مقالة بعنوان: الكتاب المقدس، حدَّد فيها مخططًا بالخطوات المطلوبة في مجال فحص ونقد الكتاب المقدس، فحص محتوى أسفاره وشروطها وكذا الزمن الذي تنتمي إليه، الأمر الذي يستحضر أثناء عمليات الفحص البعد التاريخيّ من أجل ضبط تاريخيّة الوحي، يُنظر: Cassirer, p. 72.

11 Jean-Jacques Rousseau, Émile ou de léducation (Paris: Garnier, 1961 [1762]).

12 Castells, L’ère de L’information.

13 يُنظر توصيف عزمي بشارة لتأثير روسو في الرومانسيّة الفلسفيّة الألمانيّة في: بشارة، ص 316.

14 Max Horkheimer & Theodor W. Adorno, La dialectique de la raison (Paris, Gallimard, 1983).

15 Ibid.

16 Alain Renaut (ed), Les philosophies politiques contemporaines, Histoire de la philosophie politique, vol. 5 (Paris: Calmann-Levy, 1999), p. 32-149.

17 Max Horkheimer, Eclipse de la raison (Paris: Payot, 1974), p. 19-31; Alain Renaut (ed.), Les critiques de la modernité politique, Histoire de la philosophie politique, vol. 4 (Paris: Calmann-Levy, 1999), p. 104-138.

18 بشارة، ص 812.

19 هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلاميّة (بيروت: دار الطليعة، 2000)، ص 142.

20 المرجع نفسه، ص 143.

21 بشارة، ص 724.

22 Herbert Marcuse, L’homme unidimensionnel: Essai sur l’idéologie de la société industrielle avancée (Paris: Les Ed. de Minuit, 1971), p. 67-80;

بشارة، ص 812.

23 جعيط، أزمة الثقافة الإسلاميّة، ص 143؛ عبد اللطيف، أسئلة النهضة العربيّة، ص 83-98.

24 يقول الأفغاني: «والأضاليل التي بتَّها هذان الدهريان (فولتير وروسو) هي التي أضرمت نار الثورة الفرنساويّة المشهورة، ثم فرقت بعد ذلك أهواء الأمة، وأفسدت أخلاق الكثير من أبنائها». يُنظر: جمال الدين الأفغاني، «رسالة في الرد على الدهريين»، في: جمال الدين الأفغاني، الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني، تحقيق محمد عمارة (القاهرة: المؤسسة المصريّة العامة للتأليف والنشر، 1968)، ص 162.

يُنظر أيضا: كمال عبد اللطيف، قراءات في الفلسفة العربيّة المعاصرة (بيروت: دار الطليعة، 1994)، ص 39-56.

25 طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربيّة (بيروت: المركز الثقافي العربيّ، 2000).

26 Horkheimer, p. 19-31.

27 Jacques Attali, Histoire de la modernité: comment l’humanité pense son avenir (Paris: Robert Laffont, 2013), p. 81-101.