من مبدأ الإيمان الفردي في كل وقت
حول سؤال النقد
الدينيّ للذات في الإسلام*

أحمد ميلاد كريمي**

ترجمة: علي حمدان***

doi:10.17879/mjiphs-2022-3883

بالرغم من أنّ المعنى الثقافي والرّوحي للإسلام يعيش أزمة عميقة، فلا يمكن الحديث، وفقاً للمؤلف، عن جمود الرّوح الإسلامية. فالإمكانيات الداخلية للإسلام، المتمثّلة في الارتباط الوثيق بالعقل والتحفيز على النقد الدّيني العقلاني للذات، لا يمكن فهمها إلّا في سياق ثقافة التنوير، مع الأخذ بالحُسبان أنّ الحديث هنا ليس عن تنوير معين أو حقبة تنويرية بصبغة مسيحية، بل عن ثقافة التنوير. إنّ الوحي، القائم عليه الإسلام بوصفه دين وحي Offenbarungsreligion، يتمّ تعريفه في القرآن الكريم على أنّه فرقان أو فراقين منطقية وأخلاقية، بل وحتى جمالية. من هنا يُدرك الإسلام كطريق السعادة، الذي يؤدي بالإنسان إلى التنوير أو التنويرات المتعددة والمتعلقة بذاته وعالمه ومغزى وجوده ومصيره. لكنّ مضامين الوحي ليست أشياءً معطاة وواضحة، بل إنّ الوحي بصفته الفرقانية يعدّ من هذه الناحية وظيفةً وتكليفًا للمؤمنين، الذين هم وحدهم من يرسمون ملامح الدّين من خلال تفسيراتهم له، والقائمة بشكل رئيسيّ على مبدأ التقييم العقلاني للتأكد من معقوليتها وديمومة قابليتها للنقد؛ إذ لا وجود لمرجعية دينيّة عليا في الإسلام (السنيّ). تحصيل الإيمان في دين الإسلام لا يعني سوى المعالجة الداخلية للدّين نفسه، التي تتمّ في مكان ثالث، يتمّ فيه تحديد الفهم الدّيني على أنّه سعيٌ دائمٌ وراء المعرفة وعجز عن إدراك الحقيقة المطلقة، وأنّ الإيمان الحقيقي مُتمثّل في رجاء الإنسان اللّامنقطع في تحصيل الهداية، فيرتقي التّدين بذلك ليكون سبباً للتواضع المعرفي والانفتاح على الآخر [المُترجم: علي حمدان].

كلمات مفتاحية: دين الوحي؛ فرقان؛ تنوير؛ عقلانية؛ المكان الثالث

ملخص:

* العنوان الأصلي للمقالة:

Ahmad Milad Karimi, “Von der Maxime, jederzeit selbst zu glauben. Zur Frage der religiösen Selbstkritik im Islam”, in: A. M. Karimi (ed.), falsafa: Jahrbuch für islamische Religionsphilosophie. Band 3. Religion und Aufklärung, (Freiburg i.Br: Verlag Herder, 2020), p. 78-102.

** أستاذ الفلسفة الإسلاميّة بجامعة مونستر، ألمانيا.

*** باحث دكتوراه بجامعة مونستر، ألمانيا.

From the maxim of Know thyself at all times

On the question of religious self-criticism in Islam

Ahmad Milad Karimi*

Translated by: Ali Hamdan**

Although the cultural and spiritual meaning of the religion of Islam is in deep crisis, it is not possible to talk, according to the author, about the rigidity of the Islamic spirit. The internal capabilities of Islam, represented in the close connection with the reason and the motivation for rational religious criticism of the self, can only be understood in the context of the culture of enlightenment, bearing in mind that the discussion here is not about a specific enlightenment or an enlightenment era with a Christian character, but rather about the culture of enlightenment. Revelation is defined in the Qur’an as a logical, moral, and even aesthetic criterion al-furqān. Here, Islam is understood as the path of happiness, which leads human to enlightenment related to himself, the meaning of his existence and his destiny. However, the contents of revelation are not always clear; rather, revelation as the Criterion makes the believers the only ones who draw the features of religion through their interpretations, based mainly on the principle of rational evaluation to ensure its reasonableness and permanence of criticism. The meaning of faith in Islam is the internal treatment of religion itself, which happens in a third place, in which religious understanding is defined as a constant pursuit of knowledge and an inability to grasp the absolute truth [Ali Hamdan].

Keywords: The religion of revelation; Criterion; Enlightenment; Rationality; Third place

* Professor of Islamic Philosophy at the University of Münster, Germany.

** PhD researcher at the University of Münster, Germany.

أولا. الوحي بوصفه فرقانًا1

تتمثّل دعوى الإسلام، الذي عبّر عن نفسه بنزول القرآن، بأنّه عبارة عن تنوير حاسم. ليس المقصود هنا تنويرًا معينًا بصبغة حداثيّة. التفكير يدور بشكل مبدئي حول موضع هذا الدّيني، الذي تجلّى كفرقان، وذلك لإنّه أولًا يَعِد الإنسان بالمعرفة، وثانيًا لوجوب إدراكه بحد ذاته كمعرفة. من هنا يُعرَّف الوحي القرآني بأنَّه فرقانٌ، وهو ما يصرح به القرآن بشكل واضح، في الآيات التالية: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)﴾2.

المتلقي الأول للوحي -الذي يشار إليه بشكل لائق بكلمة «عبد»، وذلك لإنّه فيما يتعلق بالقرآن يسحب إرادته بشكل تامّ مقابل إرادة الله تلبيةً لمقتضيات النبوة- يتمّ تعريفه على هذا الفرقان، وبالتالي هو لا يؤدي وظيفته كأيّ منذر أو واعظ آخر، بل بصفته داعيًا إلى التفريق [بين الحقّ والباطل] بناءً على الفرقان المُوحى إليه.3 وفي ضوء ذلك فإنّ هذه الدعوة الفرقانيّة لا تخصّ شعبًا مُعينًا أو أُمّةً معينةً ولا تخصّ كذلك جنسًا معينا، بل إنها دعوة شاملة -«للعالمين»-، وذلك لإنّها متجذّرة في الفرقان ولإنّ الحقيقة معيارها.4 الفرقان قبل كل شيء هو المعرفة الأساسيّة بأنّ الباطل هدّام لنفسه، ولذلك كُلّف النّبيّ أنّ يقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»5. لا يقول الوحيّ إلا ببطلان ما كان بالفعل باطلًا بنفسه ومن نفسه. الوحيّ يفرّق فقط بين الباطل والحقّ، وهذا هو استحقاقه بصفته فرقانًا. فمن جهة، يجري التفريق هنا من المنظور المنطقي، بحيث يميّز [الوحيّ] بين ما هو حق وما هو باطل، وذلك من خلال الإشارة إلى إدراك آخر لله (مقارنة مثلًا بالمسيحية)؛ ومن جهة أخرى، يجري التفريق من المنظور الأخلاقي بين الخير والشّر، لإنّ الوحيّ يُعتبر في الوقت نفسه معيارًا فرقانيًّا (ميزان)، عمله موجّه أساسًا للسعي الدؤوب وراء الخير الأسمى6.

ومن ثم، يُدرك امتلاك الوحي، كمرجعية للتمييز من الناحيتين النظرية والعمليّة (وحتى الجالمية أيضًا)7، بوصفه طريق السعادة8. لا يُقيّم الإسلام هنا على أنّه هو السعادة ذاتها، بل هو طريق9 السعادة10. هذا الطريق (طريق الوسط بين الإفراط والتفريط، كما عُرِّف في العصر القديم وبالذات عند أرسطو)11 مُؤسّس كما يُوضّح الغزالي بشكل دقيق على العلم والعمل12. إنَّ العلم والعمل هنا غير منفصلين عن بعضهما البعض، ولكن من حيث نشاطهما يجري تحديد كلّ منهما بشكل معاكس للآخر: العمل ينحصر في إزالة ما لا ينبغي، في حين أنّ العلم مُتمثّلٌ في السعي نحو تحصيل ما ينبغي13. هذا يعني أنَّ العمل يجب أن يكون راسخًا في العلم، أي في القُوَّةِ العقلية المُطابقة له، التي تُدرَك على أنّها قُدرةٌ أو قوةٌ عامِلة؛ إنّها العقل العملي. يقول الغزالي: «إنّ الأفعال نتائج الأخلاق، كما أنّ الهويّ إلى أسفل نتيجة الثقل الطبيعي»14. من هذه الناحية فلا العمل ولا العادة، ولا الموقف الناتج عنهما، هو ما يشكل ركيزة الأخلاق عند الغزالي، وإنّما هي تلك القوة العقليّة التمييزيّة على العمل بوصفها -كما وردت في كلمات كانط- «مبادئ [الأخلاق] الباطنيّة، التي لا يراها المرء»15. ومن هنا فإنّ الإسلام بوصفه دين وحي Offenbarungsreligion يحدّد نفسه بإنّه دين الفرقان، الذي يؤدي مع أشكال التفريق المتعدّدة [بين الحق والباطل وبين الخير والشر والصواب] ومن خلالها إلى التنوير، فالوحي بحد ذاته يمكن أن يُدرَك على أنّه تذكير بسؤال: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾16. هنا يقوم الأمر أولًا على تنوير [الإنسان] فيما يتعلّق بذاته (في الوجود والعلم والعمل)، وثانيًا على تنويره فيما يتعلّق بالعالم (كعالم مشترك وبيئةٍ محيطةٍ)، وثالثًا -وهو الأساس- حول التنوير فيما يتعلّق بسبب الوجود. من هذه الناحية يظهر أنّ الاعتقاد القائل إنّ زيادة التنوير تُفضي إلى تضاؤلٍ أكبر للتدين، لم يُثبت صحّته؛ فما تمَّ تجاهله هنا هو أنّ الدين ينتمي جوهريًا إلى الإنسان إذا ما جرى تقبّله كفرقان. وفي ضوء ذلك لا يمكن تحديد [مفهوم] الإيمان بشكل آخر، كما يقول أيضًا جلال الدين الرومي: «وهكذا فإنّه لابدّ من وجود المؤمن المميّز الكيّس الذي يعرف مَنْ تلك الواحدة ‘المؤمن كيّسٌ مميّزٌ فَطِنٌ عاقل’ والإيمان هو التمييز والإدراك نفسه»17.

ثانيا. الدين بوصفه قضية مفتوحة

رغم أنّ الإسلام بصفته دين الفرقان يقوم على العلم18 بحثًا عن الحقيقة بكونها الخير الأسمى، فهو ليس الفاعل (أو الذات الفاعلة) ولا هو موضوع الفعل. الخطأ المتمثّل في تجريد الدين من العنصر الإنسانيّ [كشيء جوهري للدين]، أو تجريده بالأحرى من نفسه عند الحديث عنه، هو خطأ ذو تأثير خطير، وذلك بسبب الإيهام الناجم عنه، المتمثّل في تصوّر وجود إسلام [مستقل] خارج المسلمين. هذا الإسلام الذي لا وجود له أصلًا بهذا التفرد الصارم والشمولي، يصبح موضوعًا للتفكير –وليس نادرًا ما يُوضع في قفص الإتهام- ويُختزَلُ ويُثبَّتُ في تفسير واحد ومنظور واحد ورسالة واحدة. هذا الإسلام البعيد كلّ البعد يمثّل مفهومًا جامدًا، يجري التعامل معه إمّا أثريًّا أو تضخيميّا بمجرد اعتباره صورة الماضي. وبمّا أن الإسلام ليس فيلمًا وثائقيًّا يمكن مشاهدته وتحليله من جديد مرارًا وتكرارًا بشكل جامد، وبمّا أنّ المؤمنين ينتمون بشكل أساسيّ للإيمان، فلا بدّ إذن من فهم الإسلام كحركة/ عمليّة Prozess، يكون المسلمون بغموض تديّنهم جزءًا منها. فمن جهة يرتبط الحكم الدينيّ بأفراد الدّين أنفسهم Subjekte der Religion، الّذين يعبّرون عن هذه الأحكام؛ ومن جهة أخرى، يدور الأمر حول فحص نقديّ مُتجدد ومستمر لهذا التعبير وتطبيق الأحكام بتأمل في عقلانيتها وفق المعايير العقلية – إن كان ذلك ممكنًا. من هنا فإن تحصيل الإيمان لا يعني سوى المعالجة الداخلية للدّين نفسه، الذي لا يكفّ عن وضع نفسه بجميع جوانبه تحت التصرّف بوصفه فرقانًا (أو فراقين) بالمعنى المشار إلية سابقًا.

في المقابل، إذا أدرك المرء دينَ الإسلام كذات فاعلة، بزعم أنّ الإسلام يفعل كذا أو يترك كذا، فسيظهر بوضوح أنّ ما يُساء فهمه هنا، هو أنّ المسلمين أنفسهم هم الّذين يشبّكون إسلامهم بالحياة والفكر، كممثلين لدعوى الله. ليس القرآن هو من يتكلم أو يدين أو يقاضي، إنّما المسلمون أنفسهم هم من يتكلمون ويدينون ويقاضون بالقرآن. وبناءً على ذلك لا يمكن الدفاع عن الإسلام، كما لا يمكن أيضًا مهاجمته. إنَّ المفارقة في [فكرة] الدفاع عن الإسلام، تكمن في رؤية الإسلام كذات فاعلة لتبرئته ممّا ينسب إليه. أمّا المفارقة في الهجوم عليه، فتكمن في رؤية الإسلام كموضوع للفعل ومواجهته أيضا كفاعل.

الدّين في حد ذاته لا يقوم بأيّ عمل ولا يفسّر أيّ شيء. إذ يمكنه أن يكون ركيزة الثقافة والقيم، ويُمكنه أيضا من خلال الدفاع عن المساكين والمحتاجين أن يرتقي بالناس إلى الأفضل، دون أن يُختزل في مجرد أخلاقيات. ولكن في الوقت نفسه يمكنه أن يكون ركيزة للعنف والشر واِمتهان البشر، بحيث يصبح الإنسان معه –كما هو في قول غوته– «أكثر حيوانية من أيّ حيوان آخر»19. ومن الواضح أن هناك أمثلة كافية لكلا الظاهرتين في كلّ الأديان. لكنّ القول بإنّ الإسلام شديد التجريد غير موجود -أي الإسلام في حد ذاته- لا يعني التقليل من حجم المشكلة، فالدّين على صورة التعصب الدّيني واحدٌ من الأزمات التي نواجهها اليوم على الصعيد العالمي. في الواقع سيكون من الصبيانية، الزعم أنّ كلّ الحملات الوحشيّة والهدّامة والمهينة للإنسان والمعادية للمرأة وأنّ كلّ أعمال العنف والهجمات الإرهابيّة لا تمت للإسلام بصلة.

إنّه لخوف مُبرر من هذا الفهم للإسلام، الذي يتحكم بطريقة شمولية في جميع مجالات الحياة، فلا يُمكن إغفال أنَّ ضحايا هذا الفهم هم في الأغلب المسلمون أنفسهم. لكنّ السؤال الأهم هو عن معنى القول إنّ كل هذا «ليس له علاقة بالإسلام». بالطبع إن الإسلام الموجود بالفعل محصور في مناطق ثقافية غالبًا ما تتسم بالفقر الثقافي وباِنعدام فرص التعليم والأمن وباليأس الإقتصادي وباِنهيار البنى التحتيّة وبغياب فرص السّلام. إنَّ الإسلام ليس سبب كلّ تلك المشاكل، كما أنَّه لا يقدّم حلولًا لها. ومهما بدا المظهر الدّيني بسيطا، فإنّ بساطتَه يسكنها تعقيد دقيق، لا يمكن فكّه وإدراكه بقواعد ساذجة وبروايات وتحديدات مفارقة للتاريخ وبالعجز عن الدقّة وبالاِبتعاد [عن الآخر]، ذلك لإنّ الأديان ملتبسة ambivalent. إنَّ التباسها في كونها دينًا خالصًا، هو في الوقت نفسه لاتمايزها Ununterschiedenheit، الذي ينبغي أن يُدرَك على أنّه «مباشرة بسيطة»20. في هذه المباشرة Unmittelbarkeit لا يكون الدّين باِعتباره اللّامتمايز شرطًا، بل نتجيةً لذلك الوسيط Vermittlung، الذي نزل وحيًا في حياة النّبي محمد. هذه النتيجة، التي فيما يتعلّق بالإسلام تضمّ في الوقت نفسه اليهودية والمسيحية21، هي كذلك شرطٌ، وتُعتبر من هذه الناحية شرطا متوسطًا*.

وعلى هذا يترتب بشكل حتميّ أمران جوهريان. الأمر الأول هو أنَّ أفراد الدّين يصبحون محور تفسيرهم الدّيني، إذ هم وحدهم من يُمثّل الركيزة التي يقوم عليها الدّين، باعبتارهم الحاملين لمسؤولية رسم ملامح الدّين، فمن خلال تفسيرهم [للدّيني]، الذي لا يجب اِحتكاره من قبل مؤسسة معيّنة، يمنحون الدّين وتحديداتهم [الدّينية] من الناحيتين النظرية والعمليّة تشكيلاتها وحيويتها، ولا يتحقق هذا التفسير الحُر إلا من خلال الاعتراف من حيث المبدأ بأنّ أيّ تفسير فردي لا يُمكنه ادعاء صلاحية مطلقة وثابتة لنفسه، كما لا يُمكن عدّ أيّ تفسير للدّين على أنّه تفسير وحيد وشمولي له، لإنّ كلّ تفسير يأخذ بالحُسبان دينامية الرؤى الدّينية وتطوّرها [ويبني نفسه بالتالي عليهما]؛ ومن جهة أخرى، فإنّ كلّ التفسيرات بلا اِستثناء مُعرضة للخطأ. يُوفّر استبصارُ اِحتمالية الوقوع في الخطأ مساحةً للانفتاح على التعلّم الفردي للدّين22. وبذلك يرتقي الدّين ليكون سببًا للانفتاح. وبما أنّه في سياق الإسلام لا يوجد مرجعيّة دينيّة عُليا، أي أنَّ وجود سُلطة دينية عليا (على الأقل في الإسلام السّني) سيكون أمرًا غير مفهوم، فقد ساد مبدأ التقييم (العقلاني)، للتأكد من مدى صحة التفاسير الفردية للقضايا الدّينية. إنَّ مبدأ التقييم العقلاني، كونه سعيّ وراء عقلانية [الطرح الدّيني]، لم يثبت نفسه في علم الفقه الإسلاميّ وعلم الكلام فحسب،23 بل هو جزء أصيل من لحظة التحقّق الذاتيّ من مدى صحة الطرح الدّيني. إنَّ ما يحدّد الفهم الدّيني داخل الإسلام ليس إعلان الحقيقة، بل إدراك العجز عن إعلان الحقيقة. يسير هذا جنبًا إلى جنب مع الموقف المبدئي، القائل بأنّ المعرفة الدّينية هي دائمًا معرفة جماعيّة، وذلك لضمان عدم ظهور تعسف شموليّ في الآراء الدّينية أو موقفٌ نسبي [من المعرفة]، يوفّر لكلّ شخص مبررات لزعم وفعل كلّ ما يريد، وهو ما اعتبره هيجل سوءَ فهم لمفهوم الحرّية24. إنّ الحقيقة تتجلى في البحث الصادق والسعيّ ورائها25، وفي تدعيم الحججّ وصقلها، وكذلك في الاِجتهاد لتحصيل مزيد من المعقولية [للطرح الدّيني]. لكنّ المعقولية الأخيرة/ المطلقة تبقى بعيدة عن المنال. وطبقًا لذلك فإنّ التدّين في السياق الإسلاميّ لا يعني أن المرء مهتد أو مُتحرّر، بل يعني رجاءَ المرء [اللّامنقطع] بأن يكون على طريق الهداية. والمعنى المتمثّل هنا في لاتحصيلية [الشعور بالأمن من ناحية الهداية] هو شيء جوهري في موضوع الإيمان.

ويتمثّل الأمر الثاني [المترتب على فهم الإسلام بالشكل الموضّح سابقًا] في أنّ الإسلام هو عمليّة غير مكتملة وغير قابلة للاكتمال. إذ ليس ماضيه الجزء الأضخم فيه، ولا مستقبله سيرتقي على تراثه الماضي. ففي الحالة الأولى يُبجّل الماضي، وفي الحالة الثانية يُبجّل الحاضر أو المستقبل. وفي هذا الصدد فإنّ الدّين والفلسفة متقاربان، فكلاهما لا يعرفان تقدمًا؛ بل إنّ تاريخ الإيمان وتاريخ الفكر عبارة عن إصرار دائم على اللّاوصول. ومن ثم، فإنّ أيّ تفسير تاريخيّ وأي تعبير عن فهم دينيّ للإسلام مرهون بسياق عصره. صحيح أنّ الرسالة الدينيّة بحد ذاتها يُنظر إليها على أنّها عابرة للتاريخ ومُتجاوزة للسياقات، ولكنّ فهم الرّسالة وتفسيرها يظلان محصورين ضمن نسيجهما الزماني. فإذا كان كل دين مرهون بسياق عصره، ألا يكون من ثم كل دين هو ذلك الشيء الذي كان عليه في زمانه؟ لهذا السبب لا يمكن إرجاع القرآن إلى رسالة جوهرية واحدة. كذلك أسماء الله الحسنى، لا يمكن اختزالها في اِسم واحد. كما لا يُمكن إرجاع كل الآراء الفقهية والأفكار العقائدية إلى مذهب واحد ولا إلى إسلوب واحد ولا إلى نتيجة واحدة26. إنّ البحث لاستعادة الرسالة الأصلية لدين الإسلام، التي يقوم بها الأصوليون، وبشكل ملحوظ الإصلاحيون أيضا، لا يقدمّ نفسه كمُعادٍ للتراث وحسب، بل يتسبب في القطيعة مع التراث، ويؤدي قبل أي شيء آخر إلى تبسيط للسياقات اللّاهوتية التاريخيّة المعقدة، وتجري ملاحظة ركاكته في خاصيته الهجينة27.

ثالثا. إصلاح مجهول (الهوية)

على ضوء ما قيل، فإنّ السؤال هو ما إذا كان الإصلاح لا يُشكّل ضرورةً، يجب أن ينفتح عليها كلّ دين وبالأخصّ دين الإسلام؟ إذا كان الإصلاح مطلبًا ضروريًا لإزالة حالة الجمود والتحجّر الذي لا روح فيه، وإذا كنّا لا نريد أن نُخلّف وراءنا إيمانًا ميّتًا لا يبعث فينا إلّا أصواتًا هامدة تواجه شعور التماسك، فهنا إذن لا يُمكن رفض ذلك القديم البعيد الذي أصبح ماضيًا صامتًا، ولا يمكن رفض ما قيل وفُعل وفُكّر؛ بل إنّ ما يقف أمامنا هو ذلك الذي خلفنا؛ إنّه التراث. إنَّ كلمة «نحن» das Wir لوحدها تبعثنا على التفكير. مَن هم الذين ليسوا «نحن»؟ ومن الذي يُسمح له بقول «نحن»؟ إذا أرادت النحن أن تكون ثاتبة، بحيث «تبقى هي نفسها ضمن متغيرات السّلوكيات والمعيشات»،28 فستُحدد [النحن] «سؤال مَنْ» المُتعلقة بالحياة اليوميّة الدّينية das Wer des alltäglich-religiösen Lebens*. إنّ الأمّة بحدّ ذاتها، التي كثيرًا ما يُتكلّم باِسمها كما لو كانت ذاتًا فاعلةً، لا تطالب بأن تكون هي «النحن»، لإنّها [وببساطة] لا يمكنها المطالبة بأيّ شيء، فهي ليست إلّا مظهرًا شكليًّا عن «المرء» الاعتيادي، الذي يتحكّم إملاؤه بكلّ شيءٍ. فمن المريح الاختباء وراء ستار اللّاتمايز والمُطالبة بالرغم من ذلك بالاعتراف. «في هذا التستّر واللّاثبوت يُظهِر المرء ديكتاتوريته الحقيقية»29، كما يقول مارتن هايدغر. في بنية «النحن» يكون «كلّ واحد كما الآخر». في صياغة جماعية غير معيّنة وغير قابلة للتعيين يُظهر نفسه اللّامحدّد الفعلي، لكنّه يظهر مُمليًا، لإنّه يدّعي نحنًا لا عثور فيها على أحد. إن [مفهوم] «النحن» يعفي من المسؤولية، إذ «باِستطاعته بسهولة تحمل المسؤولية عن كلّ شيء، وذلك لإنّه لا أحد هناك يحتاج لتحمل المسؤولية عن أيّ شيء»30. وإذا ما تكلمتْ «النحن»، فإنّ «المرء» اللّامحدّد هو في الحقيقة من يفعل ذلك. هو ليس ذاتًا معيّنة ولا عامة، ولا هو شخص ولا جماعة، لا هو روح العالم ولا هو إنسان أعلى Übermensch؛ «المرء» مثل زعيم مجهول الهوية في عباءة الجماعة الصامتة، تعبّر ألفاظه المعلنة عن الجمود الحقيقي. من هو هذا [اللّامحدّد] - من هي هذه «النحن»؟ ألا ينبغي وجود هيئة دينيّة، تكنوقراطية دينيّة ناطقة، جنس متميّز فوق كلّ الأجناس؟ ألن يكون كلّ شيء [بوجود تلك الجهة] مريحًا ومستساغًا، حيث لن تكون الأسئلة والتحديات الدّينية أمورًا شخصيّة ومُتعلّقة بوجود الفرد، بل ستكون مسائل مؤسساتيّة؟ أم سيكون الدين بذلك عبارة عن «عبادة مزيّفة» Afterdienst Gottesا31 تحت قيادة نخبة دينيّة؟ ضدّ ماذا [ولمن] يتوجّه الإصلاح، إذا كانت دوافعه دينيّة؟ لا يبدو أنّ وجود هيئة دينيّة سُلطوية، تعتبر نفسها صوتا شخصيًّا للحقيقة بحدّ ذاتها، ينتمي إلى مضمون الإسلام. وإذا كانت موجودة وكانت قد اِختارتْ لنفسها أن تكون متحدثة باِسم المسلمين، فهل يعني ذلك أنّه لم يمضِ الكثير من الوقت عليها حتى حرفت كلّ ما هو دينيّ – باِسم الدّين نفسه، وفي بادرة الواجب الدّيني؟

إذا جرى إدراك الوحيّ كفرقان، فإنّ هذا الفرقان لا يكشف عن نفسه كواقعة، بل كوظيفة وتكليف للمؤمنين أنفسهم الذين، بوصفهم هم أفراد الدّين، مسؤولون من خلال العلم والعمل على الانفتاح المبدئي لدين الإسلام. وهنا لا يمكن رؤية تلك المسؤولية في تعسّف تفسيرات الدّين الواحد ولا في الموقف الحارس لتفسير يدّعي لنفسه الصلاحية في كلّ الأوقات والأزمنة. إنّ كلّ إصلاح، يجري فهمه والتعبير عنه بوصفه حركة إصلاحية مشمولة برعاية إلٰهيّة32، محكوم عليها بالفشل، لإنّ الأمر هنا لا يتعلّق بالإصلاح نفسه، بل بشخص المُصلح. لا يُمكن قراءة نهاية النبوة مع شخص النّبي محمد، الذي يعتبر خاتم النّبيين33، على أنّها تصحيح أخروي للبنية الدّينية لا يُمكن تكراره. مع النّبي محمد يتراجع الشّخص أمام فكرة الشخصية وتتراجع أهمية الإنسان خلف فكرة الإنسانيّة. إنّ حيوية النبوة يجري صياغتها في الإسلام بموت النبي. هذه القراءة التفكيكية تُظهر أيضًا أنّه لا يكمن أن يكون هناك إصلاح كحركة مقاومة وتجديد فريدة تحت عباءة شخص صائغة لهذا الإصلاح.

من هنا يجب على الإصلاح إخفاء هويته، كما يجب على المصلح الإنكفاء وراء الإصلاح. ولذلك لا يجب أن يكون الإصلاح حدثًا فريدًا من نوعه، يكرّر نفسه بمرور الوقت، بل شيئًا ينتمي إلى المخزون الدّيني، أي إلى الإيمان النشط نفسه. وأمام هذه الخلفية فإنّ على التفكّر في الدّين تشكيل نفسه في صيغة دين التفكّر/ التأمّل. إنّ المطالبة بإصلاح مجمل الدّين بدفعة واحدة يبقى إرادة مجملة غير مبررة علميًا بشكل كاف وتتجاهل ظروف [تشكّل] نسيج معقّد من مواقف الدّين ومضامينه المتعددة المعاني والطبقات34. وكثيرًا ما يُشار في القرآن إلى حقيقة أنّه لا يذّكر (من الناحية الدّينية والأخروية وحتى الأخلاقية أيضًا) إلّا أولي الألباب35. النداء من أجل إصلاح بدون إصلاحيين، من أجل إصلاح مخفيّ الهوية يرى في التفكّر في الدين المحاولة، التي لا حدود لها ولا هدوء فيها، المتمثّلة أولًا في اِستيعاب الحاضر في تأمّل الإيمان، بمعنى الإنخراط بشكل يلائم العصر zeitgemäß في ظروف وتحديات الوقت الحاضر، وثانيًا في رسم وتشكيل الحاضر والمستقبل المرتبط به بطريقة متجاوزة للوقت unzeitgemäß. إنّ تثبيت [مكانة] المرجعية المتأصل في مفهوم التراث لا يعني في السياق الإسلاميّ طاعة غير مُتأمّلة أو تقليدًا أعمى،36 إنّما اِمتلاكٌ متوارَث لتلك البصيرة، التي اِنبثقت عن الخطاب العقلاني حول معقولية [الطروحات الدّينية]، بمعنى أنّ [مكانة] المرجعية لا تُمنح ولا تُكتب لها [بشكل تلقائي]، بل يجري تحصيلها وفحصها. الإعلاء من شأن التراث، الناتج عن الإقرار بعلو مكانة الرؤى والأحكام المكتسبة [من خلاله]، لا يمكن قراءته كمصدر للأحكام المسبقة اللّاموضوعيّة والموجهة ضد ثقافة التنوير الراسخة في [مفهومي] العقل والحرية.37

فالعقل نفسه، أي علم المنطق، يجري تحصيله تاريخيًّا وهو ملازم لتراثه. ما هو مطلوب هنا إذن هو العمل على الوصول إلى الجديد من البنيّة والصياغة التاريخيّة للإسلام، وإبرازه، وذلك من خلال تنفيذ أعمال الإصلاح بلا كللّ – من داخل التراث نفسه ومع التراث، ولكن دائمًا بنظرة ناقدة للتراث. وهذا في الوقت نفسه هو طبع القرآن بحدّ ذاته، الذي يعبّر عن نفسه من صميم التراث الإبراهيمي ويسعى مع التراث وبقصد ناقد لتحقيق الجديد الخاصّ به والمُستصَلح. ففي القرآن يقرأ المرء قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾38.

ولكن، ألا يُطالَب [الإنسان] في الإسلام بالخضوع والعبودية وسحب إرادته في مقابل إرادة الآخر المطلق؟ هل يمكن أن يوجد هنا مجال للشكّ ومكان للنقد وللنقد الذاتيّ للتصوّرات الدّينية، إذا كانت كلّ الدّيانات الإبراهيمية تشهد بقدرة الله الحاكمة؟39 يبدو أنَّ إبراهيم، باِعتباره الصورة الأصليّة للإيمان الحنيف الحقيقي، يُجسِّد في هذا السياق مثال الطاعة والعبودية الكليّة اللّامُتأمّلة الخارجة عن نطاق النقد والنقد الذاتيّ، الخارجة كذلك عن نطاق الفحص العقلاني. أم أنّ إبراهيم نفسه هو الاختبار الحقيقي في حياة المؤمنين؟ إنّ إبراهيم لا يُشكّل جوابًا عن تحدي الإيمان، بل هو السؤال الأعمق والأكثف مضمونًا. ومن خلال فرض إبراهيم علينا كسؤال، أنّ الإيمان لا يُعطى بسيطًا شفافًا، يفتح الدّين مجاله الخاص به للنقد، يفتح فضاءه للاِحتجاج والشكّ والتصحيح والإحجام عن النفس. هنا يظهر بوضوح أنّ الإجابة عن التساؤلات لا تتحدَّد خارج نطاق التراث، فمفهوم التراث لم يكتمل [ولا يمكن له أن يكتمل] بأيّ حال من الأحوال. بل إنّ التراث هو تجسيد للواقع التاريخيّ، الذي يعرض فيه القديم المُتجاوز زمانيًا نفسه مرارًا وتكرارًا في السياق الإسلاميّ الدّيني كشيء معاصر. فقط من خلال ذلك يمكن للإسلام بتوافق مع الإدعاء المُعبّر عنه فيه أن يكون بقدمه معاصرًا. وبهذه الطريقة يخلق التراث وقتًا كمقياس للتغيير، يشتمل على كلّ ما هو دينيّ. فبهذا المعنى لا يُقبل التراث والدّين عمومًا على أنّه ذلك المعطى وذلك الماضي، وإنّما باِعتباره قضية مفتوحة لكون الإنسان، إذا ما أدرك هذا الإنسان نفسه كسؤال في حضرة الله اللّامُتحصّلة.

رابعا. المكان الثالث

بما أنّ الإسلام يُدرك على أنّه دين مُوحى به، فإنّ الوحي باِعتباره كلمة الله المطلقة يمثّل في دين الإسلام المرجع الأول والأعلى للحقيقة الدينيّة، التي نُقلت مع العالم النبوي ومن خلاله. لكنّ الحاسم في الأمر هنا، هو أن هذا الوحي القرآني (وتشابك الحياة النبوية معه) ليس شيئًا مُعطىً ببساطة. فالقرآن كقرآن يبقى بعيد المنال das Unverfügbare، ينقل نفسه، ببُعده هذا، بشكل مباشر في فعل التلاوة الجمالي40. أما السياق الموضوعيّ والمضموني للقرآن، الذي لا يمكن اِعتباره شيئًا واقعًا خارج صورته، فيجري اِلتقاطه عن طريق الفهم. بين المؤمن وبين القرآن توجد إذن مسافة لا يمكن تجاوزها، التي يمكن وصفها بالمكان الثالث، اِعتمادًا لمصطلح هومي بهابها41. هذا المكان الثالث يمثّل فضاء الفهم المفتوح وفضاء التعدّدية والشكّ والتصحيح وفضاءً للاِحتجاج على الله. كلّ تقرّب من القرآن يتحدَّد إذن في هذا الفضاء الثالث، إذ لا يمكن تخطي الفهم بوصفه المغزى الداخلي للنصّ نفسه. ومن هنا يُفهم إذن لماذا لا يُشكّل القرآن نصًا اِخباريًا محضًا ولا تقريرًا تاريخيًّا أو مجموعة [نصوص تضمّ] قوانين معياريّة حصرًا، بل نصًا شاعريًا متعدّد المعاني، يتّسم بالأمثال والاِستعارات، لا يتطلّب معرفة تاريخيّة فقط، بل فهمًا أدبيًا بلاغيًا وقدرة على الاِنفعال اللّاهوتي متعدد الأديان وشعورًا روحانيًا لطيفًا وإلمامًا بالعلوم الفقهية وانفتاحًا فلسفيًّا متافيزيقيًا. وأمّا الفهم المنبثق عن هذا المكان الثالث ومن خلاله، فهو بالأساس متعدّد، لإنّ كلّ فهم يقرّ مسبقًا بإنّ موضوع الفهم يكمن أيضًا فهمه بشكل مختلف. إنّ فعل الفهم هنا يتعلّق بروح القرآن وليس بحروفه، وبناءً على ذلك يستحيل ببساطة قراءة القرآن قراءة حرفية، وكلّ قراءة من هذا النوع تعدّ مغالطة تفسيرية، فهي تُعدّ أولًا خطأ دينيًّا، وذلك لإنّ قناعة المرء بأنَّه قادر على الالتزام بظاهر القرآن تحصر بالتالي مرجعية العلم الإلهي والمطلق ، التي لا يمكن الوقوف عليها والتي تجد التعبير عنها في القرآن، فالقرآن هو كلمة الله الخالصة42. وثانيًا تفشل [هذه القراءة] في إدراك حقيقة أنّ الفهم عمومًا لا يمكنه أن يكون فريدًا وأبديًا، إنّما هو دائمًا ظاهرة تاريخيّة متنامية، لا يمكن حدوثها بشكل مستقل عن السياق وعن الذات الفاهمة بالأخص.

لا يعمل المكان الثالث ضدّ جمود التصوّرات الدينيّة فحسب، بل يعمل في نفس الوقت ضدّ عشوائية [التفكير الدينيّ]، التي تشرّع أيّ تفسير للدين. إنّ الانفتاح والغموض وتعدّد الأصوات الكامنين فيه، سيُساء فهمها جميعا إذا لم يتأسس التفسير الدينيّ على أيّ مبدأ. إنَّ كل الفضائل من قبيل العدل، والسلام، وإيواء المحتاجين، ومعاملة جميع النّاس بالمثل بغض النظر عن لون بشرتهم وجنسهم وميولهم الجنسي واِنتماءاتهم الوطنية، وحماية حرية التعبير والدين؛ حتى وإن لم تحظى إلى يومنا هذا بالتقدير الكافي والشامل، فإنّها في روح القرآن تُشكّل بالفعل مُثلًا عليا، وتُعدُّ في الوقت نفسه معيارًا وتوجيهًا. إنَّ الصلاحية المطلقة لهذه الفضائل، التي يأمر بها العقل، ينبغي اِعتمادها دينيًّا ووضعها موضع التنفيذ. ومن هنا فإنّ النقد الدينيّ للذات يتنمي لجوهر الإيمان. الدّين والنقد الذاتيّ في الإسلام لا يعْتبران حرف العطف «و» الرابط بينهما جمعًا، بل يأخذاه على محمل الجدّ كأداة تفسيرية، وذلك إذا ما قادت الحياة الدينيّة بتواضع معرفي إلى العيش في المكان الثالث. المكان الثالث هو مكان فحص النفس والتصحيح المستديم لها، وهو أيضًا مكان الشكّ بها. هذا الصراع مع النفس يتجذّر في اِستبصار عدم كمالها وكذلك في الوعي بإنّ الإيمان الحالي هو دائمًا غير كاف. لذلك يقول الرومي مُصيبًا: «وقد بقي البعض في التنازع. وأولئك هم تلك الطائفة التي تشعر في داخلها بالغمّ والألم والأسى والحسرة، ولا ترضى بحياتها. وهؤلاء هم المؤمنون»43. ومن ثم، فإنّ الإيمان يتأتى على مسافة من نفسه، إذا ما جرى إدراكه على أنّه اِحتجاج على الله وشكّ في كلّ ما يُؤمن به [الإنسان] وفرصة لتجاوز الذات. لذلك يبدو واضحًا لماذا لا يمكن تحديد موقع الاحتجاج والشكّ خارج حدود الدين، فهما ينتميان إلى فهم الدين لنفسه. كلّ شكوى دينيّة وكلّ نقد يجب أن يكون في الحقيقة نقدًا للذات، نقدًا داخليًا للذات، إذا ما أراد الإيمان أن يتحقق حدوثه. إنّ التشكيك في الإلٰه وسلطته والتشكيك في الوعد الدينيّ والسّلام الأخروي ليس تعبيرات للشكّ الإلحادي (فقط)، بل إنّه ينتمي إلى مخزون الإيمان ذاته لقد أثر هذا الموقف الفكري بشدة في عدد من الشخصيات في التاريخ الإسلاميّ من قبيل عمر الخيام، وفريد الدين العطّار، ومولانا الرّومي، وحافظ الشيرازي، وكثير غيرهم. ومن هنا يمكن النظر إلى الإيمان على أنّه فرض، لإنّه لا يشجع على «الرّاحة» و«الكسل» و«الجبن»، استحضارًا هنا للجوانب المركزية المناهضة للتنوير، التي أبرزها كانط في مقاله الشهير حول سؤال التنوير44. بل على العكس من ذلك: إنّ الإسلام يعني دائمًا السعي والبحث وراء معنى أن يكون المرء مسلمًا. هذا الصراع مع الإسلام غير المكتمل وغير القابل للاِكتمال باِعتباره تعبيرًا عن كون المرء مسلمًا متأصلٌ في إحياء المكان الثالث. إنّ مكان فهم الاِختلافات الأدائي (وليس الفيزيائي) كمكان الاِلتباس والجدل «الجميل» يخلق باِستمرار شيئًا جديدًا – في خطاب يبقى دائمًا نشطًا، لإنّ كلّ شيء هنا مفتوح وقابل لإعادة تفسيره وترجمته ووضعه في سياقات جديدة مرارًا وتكرارًا. ومن ثم، فإنّ الإيمان يُؤدي إلى انشغال [دائم]، انشغال [دائم] مع الله، يجعل من الإيمان أعمق صور الوجود الإنسانيّ.

وفقًا للقرآن فإنّ القلب يجد في ذكر الله الطمأنينة45، ولكن إيجاد [الطمأنينة] يُعرّف بكونه عمليّة الإيمان الفعلية، المتمثّلة في الزلل عن «الطريق المستقيم»46، لإيجاده من جديد والفشل مرة أخرى [في الثبات عليه]، ليُهدى [المؤمن] إليه من جديد. وفي أثناء ذلك، لا يفتتح المكان الثالث للدين الحوارَ الداخلي والرابطَ الدائم بين الوحي والعقل فحسب، بل إلى جانب العقل، الذي أصبح ناقدًا لذاته (منذ الغزالي وكانط)، يستوعب [هذا المكان] بداخله الدين أيضًا، الذي أصبح هو الآخر ناقدًا لذاته، إذا كان الدين أكثر من مُجرَّد تلك «الشمس الوهمية، التي تدور حول الإنسان»47، كما يفترض ذلك كارل ماكس.

لكن إذا كان النقد الدينيّ يرى في صورة الدين عمومًا، باِعتباره خيالًا وظيفيًّا، حالةً مزريةً يُخطئ فيها الإنسان مجبورًا تحديده الحقيقي، فإنّ [النقد الدينيّ] يكون هنا أيديولوجيًا، ذلك لإنّه يعتبر أنّ فهم الدين هو الدين نفسه، ومن ثم يثبت ذلك التفسير [للدين]، الذي هو أصلًا يعارضه. إذ لا يمكن إنكار أنّ الأفكار الدينيّة المتشدّدة وتفسيرات الدين المُحفّزة على القتال وحتى الإرهابية منها دائمًا ما كانت موجودة، وبالأخصّ في حاضرنا المُعوْلم، وبذلك تكون بعيدة كل البعد عن نقد الذات وخارج العقل والتنوير ومتعارضة مع فضائل الإنسانيّة ومُثلها وقيمها. لكن تبسيط مفهوم التدين في فهم هشّ كهذا هو ببساطة أمر منقوص، فبالطبع يمكن للدين «كعمل بشري» على حد تعبير كارل بارث أن يكون «عبادة وثنية وشرعوية».48 ومن أجل ذلك يجري التعبير في القرآن نفسه عن نقد حاسم مُوجّه ضدّ الدين، الذي يظهر إمّا كمجرد تدين زائف49 وإمّا في شكل تكوين جماعات طائفية ذات طابع قوميّ أو عرقي أو تفضيلي لجنس دون الآخر. تبعًا لذلك يُدرك الإسلام على أنّه هبة، هبة من الله، ليمنح الإنسان حياته لله، وليفهم [الإنسان] نفسه بعلاقته بالله كإنسان في خدمة البشر، وهذا يُعاش من خلال حقيقة أنّ الإنسان لا يملك الله، بل في هذا التعجيز -أنّ الله لا يمكن إدراكه وتحصيله-، يبقى السؤال عن الله حيًّا. إنّ الله يبقى إذن سؤالًا، ذلك السؤال، الذي لا يمكن أن يوجد ما هو أكثر منه إثارةً للتساؤل.

خامسا. مِن مبدأ الإيمان الفردي في كلّ وقت

إنّ النقد اللّاهوادة فيه، الذي لا يهاب شيئًا ولا أحدًا، ينتمي –كما قال فريدرش إنجلز عام 1880م– إلى السمة المميزة للتنوير: «الدين، النظرة إلى الطبيعة، المجتمع، نظام الدولة، كلّ شيء خضع للنقد الأكثر قسوة. كان على كلّ شيء إمّا تبرير وجوده أمام كرسي قضاء العقل أو التخلي عن الوجود. لقد جرى تطبيق العقل المُفكّر على كلّ شيء بوصفه المعيار الأوحد»50. هذا الموقف الفكري بقيادة العقل، الذي طوّر نفسه من داخل الفلسفة الحديثة وتُوّج بالثورة الفرنسية، باعتباره معيار الحق، يظهر وكأنّ لا بديل له. ولكنّ هذا المظهر يوحي أنَّ هناك تنويرًا عابرًا للسياقات والدين والثقافات، الأمر الذي لا يخلو من الإشكاليات، وذلك لإنّ التنوير يُستخدم هنا كمفهوم شامل، هو أقرب إلى اللّاوضوح.51

إنّ فهم التنوير على أساس أنّه علاج لكلّ داء لا يُعتبر في تحديده غير الدقيق هذا إلّا انحرافًا عمّا يقدمه التنوير نفسه، وذلك لإنّه في لاتمييزه [لمضامين التنوير] يبجّل التنوير. وكما هو منقول تاريخيًّا فإنّ الحركة الفكرية التنويرية في خاصيتها النقدية كانت مرتبطة حقيقة بالدين المسيحية ومؤسساتها الكنسية52. إذ لا يُمكن عد التنوير إنجازًا للمسيحية، بل هو في الواقع إستفزازٌ لها، حيث كانت نظرتها التقليديّة للعالم والإنسان وعلاقتها بالدولة ومفهومها للسلطة سواء على المستوى الفرديّ أو على المستوى الجماعي والمجتمعي عرضةً للنقد، حتى أنّ مسيحية العصر الحديث تقوم بشكل حاسم على هذا النقد وعلى موقف مُتحفظ من مسيحية [العصور الوسطى]. ومن ثم، فإنّ فرض هذا السياق التاريخيّ على التراثات الدينيّة الأخرى لا يمكن أن يجري إلّا بالقوة. إنَّ مفكرين مثل توماس هوبز، وجان جاك روسو، وفرانسوا ماري آروويه (فولتير)، ويوهان جورج هامان، وكريستوف مارتن ويلاند، وأندرياس ريم، وغوتهولد إفرايم ليسينغ، وإيمانويل كانط وغيرهم، فكّروا وكتبوا في وجهات نظر مختلفة وبالذات في سياق المسيحية، وفي كثير من الأحيان من منطلق نقدي للدين المسيحي.

ليست المسألة هنا تحفظًا على مبدأ التنوير [المتمثّل بمقولة] «التفكير بشكل فردي في كلّ وقت»53، ولا يمكن أن تكون المسألة هنا التقليل من شأن ثقافة التنوير، على أساس أنّها مُخصّصة وليست شاملة. بل إنّ الأمر هنا هو تمييز في المطلب، أنّ الدين وكلّ ما هو دينيّ يجب أن يخضع للتنوير54. فالدين لا يمكن تنويره بأي حال من الأحوال، بل البشر، الذين يجدون موطنهم في الدين. وكذلك يجب ألّا يُفهم الدين على أنّه مسألة خاصّة، بل هو بصدق مسألة شخصيّة، وكشخص فإنّ المرء دائمًا هو جزء من الجمهور، فالإنسان هو مكان الدين. ومن هنا فإنّ المُسلِمات والمسلمين مطالبون بتفسير دينهم بمسؤولية وعلم وتواضع، مُعتمدين بذلك على عقولهم، وذلك حتى لا يجري توجيههم من الخارج، مُتسببين بذلك لأنفسهم بأنفسهم، وهو الأمر الذي يؤدي كما هو معروف إلى القصور Unmündigkeit. فلا التنوير هو تنوير واحد، ولا مشروع فترة التنوير من تاريخ الفكر الأوروبي، الذي يجب النظر إليه على كلّ حال بنظرة تمييزية، ظلّ من هيجل55 إلى [تيودور] أدورنو و [ماكس] هوركهايمر بلا نقد56. داخل هذا السياق، أعرب أيضًا ميشيل فوكو في مقال له بعنوان «ما هو التنوير؟» «?Qu’est-ce que les Lumières» عن شكوكه حول المدى الذي يمكن فيه الحديث عن التنوير عمومًا بلا نقد ودون أن يؤدي ذلك إلى نقله إلى نقيضه، بحيث ينحطّ إلى [درجة] الابتزاز، [يقول فوكو]: «هذا لا يعني، أنّ على المرء أن يكون إمّا مع التنوير أو ضدّه. بل بمعنى أدق يعني ذلك، أنّ على المرء رفض كلّ ما يمكن أن يشكّل بديلًا مبسطًّا وذا مرجعية: فإمّا أن تقبل التنوير وتبقى في تراث عقلانيته، (الأمر الذي يراه البعض إيجابيًّا والبعض الآخر تهمةً)، أو أن تنتقد التنوير محاولًا بناءً على ذلك تجنّب مبادئ العقلانية هذه، (الأمر الذي يمكن النظر إليه أيضًا مرةً على أنّه أمر جيد ومرةً أخرى على أنّه أمر سيء). ولا يمكن للمرء الإفلات من هذا الابتزاز بالكامل، بأن يُدخل تفصيلات دقيقة جدليّة من خلال السعي لتحديد الأشياء الجيدة والأخرى السيئة، التي يمكن أن يحتويها التنوير»57.

وبالرغم من أنّ المعنى الثقافي والروحي لدين الإسلام يعيش أزمة عميقة، فلا يمكن الحديث عن جمود الروح الإسلاميّة. الإمكانات الداخلية للإسلام، بمعنى الارتباط العميق مع العقل نفسه من ناحية، والتحفيز على النقد الذاتيّ العقلاني من ناحية أخرى، يمكن فهمها في سياق ثقافة التنوير. الحديث لا يدور فقط عن حقبة أو فترة التنوير (بصبغة مسيحية)، ولكن عن ثقافة التنوير. فالثقافة هي باِستمرار عمل (فردي وذاتيّ التفكير)، يصفه كانط بإنّه «شاقّ»58. ولذلك ينفي كانط صحة الرأي القائل بأنّ هناك زمنًا مستنيرًا، إنّما هناك زمن أو أزمنة للتنوير، لا تعرف بديلًا آخرًا له، ففيها لا يُجبر أحد على التنوير كإيديولوجيا جديدة، بل فيها اِفتقار للحرية في وقت تكون فيه الحرية مطلوبة، وتبسيط في وقت تكون فيه روح التعقيد مطلوبة، وقهر في وقت يكون فيه تقرير المصير ضرورة ملحّة، وتقليل من شأن الآخر في وقت يكون فيه التلاقي على مستوى النظر ضرورة. في [أزمنة التنوير] تسمى هذه الأمور بأسمائها وتتضّح خطورتها. لهذا فإنّ من مخزون ثقافة التنوير التفكير الإيماني المنبثق عن المكان الثالث بتواضع معرفي، وذلك لتجاوز [فكرة] التسامح والوصول إلى تدين يُنتج إنسانًا راشدًا وناقدًا في مجتمع تعددّي وحرّ وديموقراطي ويملأه روحانيًّا بمعنى وجوده.

لا الوحي بحدّ ذاته ولا المضامين التي يحتويها من مواعظ وقصص وأحكام وأفكار فلسفيّة ولاهوتيه، يمكن قبولها كمعلومات خالصة أو كمجموعة قوانين معطاه أو كرسائل واضحة المعنى. فكلّ شيء -حرفيًّا كلّ شيء-، يجب أن يخضع للتأويل، حتى يصبح فهمه ممكنا، فدين الإسلام لا يسعى لتفسير العالم. من هنا فإنّ أيّ فهم في ظلّ هذه الخلفية لا بدّ وأن يكون قابلًا للنقد. وفي هذا السياق فإنّ أفكار وآراء ونتائج التراثات المعرفية ذات الصلة، التي جرى التحصّل عليها من خلال التنافس العقلاني حول معقولية مضامينها، والتي يجري قبولها كخبرات، يمكن لها أن تخلق بعض الوضوح، بل يمكن النظر إليها أحيانًا كمرجعيات، ولكنّها تبقى بالرغم من ذلك خاضعة للنقد البناء القائم على العلم. فهذه الأفكار والآراء لا يمكن لها أن تقوم بمهمة الفهم الدينيّ الفردي الخاصّ بالمؤمنين، إذ يظل ذلك أمرًا فرديًّا. وهذا يعني، أنّ مبدأ «التفكير الفردي في كلّ وقت» يتطلّب دائمًا وجود أفراد مؤمنين، في حال ما إذا كان هؤلاء لم يفقدوا مِيزتهم، أي تلك المِيزة المتمثّلة في العيش على مبدأ الإيمان الفردي في كلّ وقت.

عن أيّ ثقافة، أو بالأحرى عن أيّ ثقافات التنوير يمكن إذن الحديث في سياق دين الإسلام؟ إذا كان الإسلام لا يُعتبر هرطقة مسيحية ، كما ادعى كلّ من يوحنّا الدمشقي (ت. 753م) و بطرس فينيرابيليس (ت. 1156م) وألاين ديليه (ت. 1203م) في العصور الوسطى، فإنّ المطالبة بالتنوير، كما كان الأمر في أوروبا المسيحية، ليس لديها ما يبرّرها موضوعيًّا. فاللّاهوت في الإسلام باِعتباره علم إلٰهيات جدلي (علم الكلام) يقوده العقل ويؤدي الجدل المتأصل فيه إلى المعرفة لم يتطوّر في هذا السياق59. اللاهوت الجدلي، الذي أصبح في وقت لاحق منهجيات بمضامين واسعة، لا يُدرك على أنّه عقائدي، ولكن يجري إنشاؤه بشكل حواري وجدلي. لا تعرف هذه النشأة، التي استندتْ في كثير من الأحيان على نصوص قرآنية وتقاليد نبوية، مرجعية أخرى غير كرسي قضاء العقل نفسه. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الفلسفة بالذات، التي يجب إدراكها بلا شكّ على أنّها جزء من العلوم الإسلاميّة الرئيسة، تقوم في دين الإسلام بدورٍ مهمٍ في تشكيل العقلانية وترسيخها في التصوّرات الدينيّة. فمنذ نشأة الفلسفة في الإسلام، التي تطوّرت بشكل وثيق مع التلقي والاِستيعاب النشط للتراث الفكري للعصور القديمة والقديمة المتأخرة، جرى قبول شخصية الفيلسوف بما يحمله من أفكار، وكان مكانه داخل الدين. ومن هنا فإنّ هذا التحصيل المتأصل لمرجعية فلسفيّة – التي لم يُنظر إليه تاريخيًّا بشكل إيجابي على الدوام، أو فُسّرت بالأحرى بصور مختلفة مع توسيع محتواها – يجب إدراكه باِعتباره نقدًا داخليًا للدين. إنّ نقد الدين يمثّل بالتالي خاصيّة، تنتمي بشكل أساسيّ لدين الإسلام.

إنّ استعادة هذا التراث واستحضاره والعمل على تطويره في ظلّ ثقافة التنوير -التي كان من ضمن من تناول مبادئها مبكرًا فلاسفة أندلسيين مثل ابن الطفيل وابن رشد60، وجرى ترسيخ مبادئها لاهوتيًّا من قبل علماء دين كالغزالي والماتريدي، وروحياّ من قبل صوفيين كالرومي وحافظ-، يمكن له المجازفة بشقّ طريقه الجماليّ الخاصّ به.

يسعى هذا الطريق وراء الحكم الجمالي، أيّ وراء الذوق، ذوق [معرفة] الله، كما يقول الغزالي بوضوح61، وذلك حتى يتمكّن الإنسان من فهم وجوده بشكل واضح ومعقول مع/ ومن خلال التأليف بين النظرية والتطبيق، بين العقل والوحي، بين المحسّوس واللّامحسّوس، وكذلك من خلال التأليف في «مزاج أوسط»، كما يصوغه فريدرش شيلر في الرسالة العشرين من أطروحته حول التهذيب الجمالي للإنسان، بين الشهوانية والروحانية. طريق التنوير هذا، الذي ينبثق التفكير فيه من روح الجمال، إذ كما يتحدث عنه شيلر في رسالته الثانية من أطروحته السابق ذكرها، هو الجمال62 الذي يعبُر الإنسان من خلاله إلى الحرية63، ينقل التنوير من إطاره النظر إلى التطبيق. إنَّ مندلسون، الذي أشار إلى إمكانية إساءة إستخدام التنوير، تحدّث أيضًا كما هو معروف عن علاقة التنوير بالثقافة باِعتبارها علاقة النظرية بالتطبيق64. إنّ التهذيب الجمالي للإنسان يتمثّل هنا في تحصيل واِستثمار نقد الذات، الذي لا ينبغي أن ينحصر حدوثه في الإطار النظري من خلال جرأة المرء على اِستخدام عقله فقط، وإنّما ينبغي اِستيعابه في ممارسة الإيمان والتشكيل الدينيّ للعالم، وذلك من خلال جرأة المرء على أن يكون حكيمًا، كما يقول شيلر65.

هنا تكمن الإثارة في تكريس الذات مرارًا وتكرارًا للتنوير، أي أن يتحكّم الإنسان بنفسه من خلال نقد الذات وتمييز الحقيقة، كما يحثّ الوحي في القرآن، وذلك حتى يتمكّن الإنسان من تحقيق مبدأ الإيمان الفردي في كلّ وقت في عمليّة الدين الحيوية، وذلك من خلال الإصلاح المتواصل، الذي يرسم ملامح التأملات الدينيّة عمومًا كتجديد مستمر، ومستقل عن شخص المُصلح، فيظل الإصلاح دائمًا مجهول الهوية ومنبثقا بتواضع معرفي عن المكان الثالث.

قائمة المراجع

الأشعري، أبو الحسن. مقالات الإسلاميّين واِختلاف المصلّين. تحقيق هلموت ريتر. فيزبادن: فرانز شتاينر، 1963.

باور، توماس. ثقافة الإلتباس. نحو تاريخ آخر للإسلام. ترجمة: رضا قطب. بيروت: دار الجمل، 2017.

الرومي، جلال الدين. كتاب فيه ما فيه. ترجمة عيسى علي العاكوب. بيروت: دار الفكر المعاصر، [2001].

غادامير، هانز جورج. الحقيقة والمنهج. الخطوط الأساسيّة لتأويلية فلسفيّة. ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح. بيروت: دار الكتاب المتحدة، 2007.

الغزالي، أبو حامد. إحياء علوم الدين. القاهرة: مطبعة مصطفى الباب الحلبي وأولاده، 1939.

الغزالي، أبو حامد. مشكاة الأنوار في توحيد الجبار. تحقيق سميح دغيم. بيروت: دار الفكر اللبناني، 1994.

الغزالي، أبو حامد. ميزان العمل. تحقيق وتقديم سليمان دنيا. القاهرة: دار المعارف، 1964.

كانط، إيمانويل. الدين في حدود مجرّد العقل. ترجمة فتحي المسكيني. بيروت: جداول، 2012.

هايدغر، مارتن. الكينونة والزمان. ترجمة فتحي المسكيني. بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2013.

Adorno, Theodor W. Gesammelte Schriften. Frankfurt a. M: Suhrkamp, 1997.

Aristoteles. Ethica Nicomachea. Ingram Bywater (ed.). Oxford: Clarendon Press, 1894 [1962].

Barth, Karl. Die kirchliche Dogmatik. Die kirchliche dogmatik. 1. Die lehre vom wort gottes. Prolegomena zur kirchlichen dogmatik. Zweiter halbband. Zollikon-Zürich: Evangelischen Verlag, 1938.

Bauer, Thomas. Die Kultur der Ambiguität. Eine andere Geschichte des Islams. Berlin: Verlag der Weltreligionen im Insel Verlag, 2011.

Bhabha, Homi K. The Location of Culture. London/ New York: Routledge, 1994.

Conrad, Lawrence I. The World of Ibn Ṭufayl: Interdisciplinary Perspectives on Ḥayy ibn Yaqẓān. Leiden : Brill, 1996.

Engels, Friedrich. Die Entwicklung des Sozialismus von der Utopie zur Wissenschaft. Gesammelte Werke. Berlin: 1882.

Ess, Josef van. “Disputationspraxis in der islamischen Theologie. Eine vorläufige Skizze”. Revue des études islamiques. no. 44 (1976), p. 23-60.

Foucault, Michel. Existenz und Ästhetik: Schriften zur Lebenskunst. Frankfurt a. M.: Suhrkamp, 2007.

Gadamer, Hans-Georg. Wahrheit und Methode. Grundzüge einer philosophischen Hermeneutik. Tübingen: Mohr Siebeck, 2010.

Graetz, Mordechai. “Jüdische Aufklärung”. in: Mordechai Breuer & Michael Graetz (eds.). Deutsch-jüdische Geschichte in der Neuzeit. Band I, Tradition und Aufklärung: 1600-1780. München : Beck, 2000. p. 251-351.

Hegel, Georg W. F. Werke in zwanzig Bänden, auf der Grundlage der Werke von 1832–1845 neu edierte Ausgabe. Eva Moldenhauer & Karl Markus Michel (eds.). vol. 5. Frankfurt am Main : Suhrkamp, 1969-1971.

Heidegger, Martin. Sein und Zeit. Gesamtausgabe. Band 2. Friedrich-Wilhelm v. Herrmann (ed.). Frankfurt am Main: Klostermann, 1973.

Iqbal, Muhammad. Speeches, Writings and Statements of Iqbal. Latif Ahmad Sherwani (ed.). 2nd edition. Lahore: Iqbal Academy, 1977 [1944].

Kant, Immanuel. “Beantwortung der Frage: Was ist Aufklärung?”. Berlinische Monatsschrift. no. 12 (1784), p. 481-494.

Kant, Immanuel. Abhandlungen nach 1781, AA. Bd. 8. Der Königlich Preußischen Akademie für Wissenschaften (ed.). Berlin, 1904.

Kant, Immanuel. Die Religion innerhalb der Grenzen der bloßen Vernunft, AA. Bd. 6. 1. Auflage 1781. Der Königlich Preußischen Akademie für Wissenschaften (ed.). Berlin,1904.

Kant, Immanuel. Grundlegung zur Metaphysik der Sitten. AA. Bd. 4. Der Königlich Preußischen Akademie für Wissenschaften (ed.). Berlin, 1904.

Karimi, Ahmad Milad & Thomas Jürgasch. “‘Nicht vernunftgemäß zu handeln ist dem Wesen Gottes zuwider’: Überlegungen zu einem vernünftigen Religionsbegriff”. in: Thomas Jürgasch et al. (eds.). Gegenwart der Einheit: zum Begriff der Religion. Festschrift zu Ehren von Bernhard Uhde. Freiburg i. Br. Berlin Wien: Rombach, 2008. p. 167-187.

Karimi, Ahmad Milad. “Die Bedeutung der Koranrezitation. Zur inneren Verwobenheit von Ästhetik und Offenbarung im Islam”. Theologisch-praktische Quartalschrift. no. 164 (2016), p. 265-271.

Karimi, Ahmad Milad. “Gegen die Mörder Gottes. Religion und Selbstkritik aus islamisch-theologischer Perspektive”. Stimmen der Zeit. no. 5 (Mai 2020), p. 331-338.

Karimi, Ahmad Milad. “Muhammad Iqbal und der Aufbruch zu einem lebendigen Islam”. in: Ahmad M. Karimi & Mouhanad Khorchide. Jahrbuch für islamische Theologie und Religionspädagogik. Freiburg i.Br: Kalam Verlag KG, 2016. vol. 4, p. 193-214.

Karimi, Ahmad Milad. “Versuch einer ästhetischen Hermeneutik des Koran”. in: Mouhanad Khorchide & Klaus von Stosch (eds.). Herausforderung an die islamische Theologie in Europa. Freiburg i.Br: Verlag Herder, 2012. p. 14-31.

Karimi, Ahmad Milad. Hingabe. Grundfragen der systematisch-islamischen Theologie. Rombach Wissenschaften. Freiburg i.Br.: Rombach Verlag, 2015.

Karimi, Ahmad Milad. Warum es Gott nicht gibt und Er doch ist. Freiburg i.Br: Verlag Herder, 2018.

Lessing, Gotthold Ephraim. Gotthold Ephraim Lessings Schriften. Karl Lachmann (ed.). vol. 13. Leipzig: Göschen’sche Verlagshandlung, 1897.

Marx, Karl & Friedrich Engels. Gesamtausgabe. vol. 1. Berlin, [DDR]: Deitz, 1978.

Mendelsohn, Moses. “Über die Frage: was heißt aufklären?”. Berlinische Monatsschrift. no. 4 (1784), p. 193-200.

Schiller, Friedrich. Die Horen. vol. 1. Tübingen, 1795.

Schimmel, Annemarie. Muhammad Iqbal. Prophetischer Poet und Philosoph. München: Eugen Diederichs Verlag, 1989.

Schleiermacher, Friedrich D. E. Kritische Gesamtausgabe. 1:2 : Schriften aus der Berliner Zeit 1796-1799. Günter Meckenstock (ed.). Berlin: De Gruyter, [1984].

Schulte, Christoph. Die jüdische Aufklärung. Philosophie, Religion, Geschichte. München: Beck, 2002.

Stolzenburg, Jürgen. “Hegels Kritik der Aufklärung. Zum Kapitel: ‘Der Kampf der Aufklärung mit dem Aberglauben’ in der Phänomenologie des Geistes”. in: Wolfram Hogrebe (ed.). Phänomen und Analyse. Grundbegriffe der Philosophie des 20. Jahrhunderts in Erinnerung an Hegels Phänomenologie des Geistes. Würzburg : Königshausen & Neumann, cop. 2008. p. 155-174.

Uhde, Bernhard. “Islamischer Glaube versus christliche Kultur. Zur Kritik an der These vom Aufklärungsbedarf des Islam”. in: Thomas Böhm et al. (eds.). Glaube und Kultur: Begegnung zweier Welten?. Freiburg i. Br.: Herder, 2009. p. 141-155.

Voltaire. Über die Toleranz. Berlin: Suhrkamp Verlag, 2016 [1763].

Yaqdhân, Hayy ben. Roman philosophique d’Ibn Thofaïl. Léon Gauthier (ed. & trans.). 2eme edition. Beirut: Imprimerie Catholique, 1936.

Zöllner, Johann F. “Ist es rathsam, das Ehebündniß nicht ferner durch die Religion zu sanciren?”. Berlinische Monatsschrift. no. 2 (1783), p. 508-516.


1 الشروحات في هذا المقالة هي نسخة معدّلة وموسّعة عن المقالات التالية:

Ahmad Milad Karimi, “Gegen die Mörder Gottes. Religion und Selbstkritik aus islamisch-theologischer Perspektive”, Stimmen der Zeit, no. 5 (Mai 2020), p. 331-338; Ahmad Milad Karimi, “Verklärte Aufklärung”, in, Warum es Gott nicht gibt und Er doch ist, (Freiburg i.Br: Verlag Herder, 2018), p. 79-98.

2 الفرقان 25: 1-3

3 ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، (البقرة 2: 42، قارن أيضًا الآية: النساء 4: 71). وفي هذا الصدّد يشير القرآن إلى حقيقة الرسالة نفسها، يُنظر هنا الآية: البقرة 2: 47.

4 ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)‏﴾ الأنفال 8: 7-8.

5 الإسراء 17: 81

6 إنّ معيار السعي الحقيقي لتحقيق الخير هو إرادة الخير ذاته. لهذا يعرّف القرآن الإنسان الأتقى بأنّه ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21)﴾ الليل 92: 17-19.

7 ﴿كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ الرعد 13: 17. قارن في هذا الصدّد:

Aristoteles, Nikomachische Ethik, I, 5, 1097 a15–b6.

8 إذا استوعبنا مفهوم الأخلاق على أنّه نظام معياريّ، بمعنى ركيزة تسأل في المقام الأول عن المبدأ الأخلاقي، فستظهر السّعادة بالتالي، من منظور نظرية الفعل، كمبدأ توجيهيّ في الإسلام، من حيث أنّه (أيّ المبدأ التوجيهي) مُتجذّر في إدراك الفرقان، بمعنى أن يعرف [المؤمن] مُفرّقًا [بين الحق والباطل] أنّ الخير لا يتحصل من خلال إشباع الرغبات/ الشهوات وإنما عن طريق العقل.

9 قارن، الفاتحة 1: 6.

10 يميّز الغزالي بين سعادة دنيوية وسعادة أخروية، إذ يُقسم في كتابه ميزان العمل الخيرات/ السعادة إلى خمسة أنواع: السعادة الأخروية والنفسية والبدنية والخارجة [أو المطيفة بالإنسان] والتوفيقية، يُنظر: أبو حامد الغزالي، ميزان العمل، تحقيق وتقديم سليمان دنيا (القاهرة: دار المعارف، 1964ص 64؛ وفي الوقت الذي تُحدّد السعادة الدنيوية من كل ما هو دنيوي، يفهم الغزالي السعادة الأخروية على أنّها «بقاء لا فناء له، وسرور لا غم فيه، وعلم لا جهل معه، وغنى لا فقر معه يخالطه» يُنظر: المرجع نفسه، ص 64؛ لكن السعادتان مرتبطتان ببعضهما البعض، لأنّ تحصيل الحياة الآخرة إنّما جُعل بواسطة الحياة الدنيا.

11 Cf. Aristoteles, Ethica Nicomachea, Ingram Bywater (ed.) (Oxford: Clarendon Press, 1894 [1962]), II, 2, 1104 b28 & II, 5, 1106 b22.

12 الغزالي، ميزان العمل، ص 11-13.

13 المرجع نفسه، ص 23.

14 المرجه نفسه، ص 40.

15 Immanuel Kant, Grundlegung zur Metaphysik der Sitten. AA. Bd. 4, Der Königlich Preußischen Akademie für Wissenschaften (ed.), (Berlin, 1904), p. 407.

16 الزمر 39: 9

17 جلال الدين الرومي، كتاب فيه ما فيه، ترجمة عيسى علي العاكوب (بيروت: دار الفكر المعاصر، [2001])، ص 176.

18 من هنا كان أحب الدعاء إلى قلب النّبي محمد، أن يقول: «رب زدني علمًا» طه 20: 114.

19 Cf. Ahmad Milad Karimi & Thomas Jürgasch, “‘Nicht vernunftgemäß zu handeln ist dem Wesen Gottes zuwider’: Überlegungen zu einem vernünftigen Religionsbegriff”, in: Thomas Jürgasch et al. (eds.), Gegenwart der Einheit: zum Begriff der Religion. Festschrift zu Ehren von Bernhard Uhde (Freiburg i.Br. Berlin Wien: Rombach, 2008), p. 167-187.

20 حول مفهوم «المباشرة البسيطة»، يُنظر:

Georg W. F. Hegel, Werke in zwanzig Bänden, auf der Grundlage der Werke von 1832–1845 neu edierte Ausgabe, Eva Moldenhauer & Karl Markus Michel (eds.), (Frankfurt am Main: Suhrkamp, 1969-1971), vol. 5, p. 68.

21 إنّ الترابط الدائم والداخلي بالديانات الأخرى راسخ في فهم الإسلام لذاته، وأوضح تعبير عن هذا الترابط يجده المرء في السعي [الدائم] وراء الخير والعدل: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} البقرة 2: 148.

* المترجم: الإسلام بحد ذاته هو دين مباشر، ولكنّه في الوقت نفسه مباشرة متوَسّطة، أيّ أنّه دين يرى نفسه كإعادة صياغة متجددة للديانات الإبراهيمية؛ اليهودية والمسيحية على وجه التحديد. وبهذا المعنى فإنّ الإسلام هو نتيجة حركة دينيّة تجلّت في اليهودية ومن ثمّ في المسيحية، ولكنّها تتجلّى في الإسلام كمباشرة جديدة. ومن هنا فإنّ هذا الوسيط Vermittlung يحمل في داخله اليهودية والمسيحية، بمعنى أنّ اليهودية والمسيحية يتمّ رفعهما في الإسلام بالمعنى الهيجلي هنا. وهذا الإسلام يُعدّ من المنظور التاريخيّ شرطًا أساسيًّا للسعادة أو الخلاص. إذن فالأمر يتعلّق هنا بحركة داخلية بين النتيجة والشرط، فالقرآن مثلًا يُعتبر شرطًا أساسيًّا للإسلام، فلا إسلام بدون قرآن، ولكنّ هذا الشرط هو في حدّ ذاته نتيجة للتراثات التواراتية والإنجيلية، التي يتضمنها.

22 وفقًا لفولتير فإنّ إدراك المرء لقابليته للخطأ يعتبر مبدأ التسامح الأول. يقول فولتير: «ما هو التسامح؟ هو الإنسانيّة على الإطلاق. إنّنا جميعًا مجبولون بضَعف وأخطاء؛ ولذلك فإن قانون الطبيعة الأول هو أن نغفر لبعضنا البعض حماقاتنا»، يُنظر:

Voltaire, “Toleranz”, in: Über die Toleranz, (Berlin: Suhrkamp Verlag, 2016 [1763]), p. 31.

23 Cf. Ahmad M. Karimi, Hingabe. Grundfragen der systematisch-islamischen Theologie. Rombach Wissenschaften (Freiburg i.Br.: Rombach Verlag, 2015).

24 «عندما يسمع المرء أنّ الحرّية في ذاتها هي أنّ يفعل المرء ما يريد، فإنّ هذا التصوّر [لمفهوم الحرّية] لا يمكن اِعتباره إلّا نقصًا كليًّا في تكوين الفكر، إذ يخلو هذا التصوّر من أدنى فكرة عن الإرادة الحرة والحقّ والأخلاق»، يُنظر: Hegel, Werke, vol. 7, p. 66.

25 يقول ليسنغ في ذلك ما يلي: «ليست الحقيقة، التي يمتلكها أو يظن اِمتلاكها شخص ما، بل هو ذلك الجهد الصادق المبذول في تحصيلها، من يجعل قميةً للإنسان»، يُنظر:

Gotthold Ephraim Lessing, “Über die Wahrheit (Eine Duplik 1778)”, in: Gotthold Ephraim Lessings Schriften, Karl Lachmann (ed.) (Leipzig: Göschen’sche Verlagshandlung, 1897), vol. 13, p. 24.

26 لقد قام توماس باور وبشكل مقنع بإبراز تاريخ الأفكار في الإسلام ضمن ثقافته الملتبسة، يُنظر:

Thomas Bauer, Die Kultur der Ambiguität. Eine andere Geschichte des Islams (Berlin: Verlag der Weltreligionen im Insel Verlag, 2011;

يُنظر أيضا الترجمة العربيّة للكتاب: توماس باور، ثقافة الإلتباس. نحو تاريخ آخر للإسلام، ترجمة: رضا قطب (بيروت: دار الجمل، 2017)

27 يُثبت هانز جورج غادامر أنّ: «على التفسيرية/ الهرمنيوطيقا الانطلاق من فكرة، أنّ على الشخص السّاعي إلى الفهم الارتباط بالموضوع، الذي يجري تناوله في النصّ التراثي، والتمتع بعلاقة أو اِكتساب علاقة بالتراث، الذي نشأ فيه النص. من جهة أخرى يدرك الوعي التفسيري، أنّ الارتباط بالموضوع لا يكون على شكل إجماع لا ريب فيه وواضح بذاته، كما هو حال [الاِرتباط] عندما يكون التراث باق غير منقطع»، يُنظر:

Hans-Georg Gadamer, Wahrheit und Methode. Grundzüge einer philosophischen Hermeneutik (Tübingen: Mohr Siebeck, 2010), p. 300;

يُنظر أيضا الترجمة العربيّة: هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج. الخطوط الأساسيّة لتأويلية فلسفيّة، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح (بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2007)، ص 404.

28 Martin Heidegger, Sein und Zeit. Gesamtausgabe. Band 2, Friedrich-Wilhelm v. Herrmann (ed.) (Frankfurt am Main: Klostermann, 1973), p. 114.

يُنظر الترجمة العربيّة: مارتن هايدغر، الكينونة والزمان، ترجمة فتحي المسكيني (بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2013)، ص 233.

* المترجم: حول مفهوم «مَنْ» (das Wer) عند هايدغر يُنظر المرجع نفسه، ص 231 – 258.

29 Heidegger, p. 126;

هايدغر، ص 253.

30 Heidegger, p. 127;

هايدغر، ص 254.

31 Immanuel Kant, Die Religion innerhalb der Grenzen der bloßen Vernunft, AA. Bd. 6. 1. Auflage 1781, Der Königlich Preußischen Akademie für Wissenschaften (ed.) (Berlin,1904), p. 167.

32 في هذا الصدّد يشير إقبال بشكل صائب وصارم في خطابه أمام رابطة مسلمي عموم الهند في 30 ديسمبر للعام 1930 أنّ «وجود لوثر في العالم الإسلاميّ هو ظاهرة مستحيلة [الحدوث]»، اقتباس عن:

Annemarie Schimmel, Muhammad Iqbal. Prophetischer Poet und Philosoph (München: Eugen Diederichs Verlag, 1989), p. 92.

يُنظر النص الأصلي:

Muhammad Iqbal, Speeches, Writings and Statements of Iqbal, Latif Ahmad Sherwani (ed.), 2nd edition (Lahore: Iqbal Academy, 1977 [1944]), p. 3-26; cf. Ahmad M. Karimi, “Muhammad Iqbal und der Aufbruch zu einem lebendigen Islam”, in: Ahmad M. Karimi & Mouhanad Khorchide, Jahrbuch für islamische Theologie und Religionspädagogik, (Freiburg i.Br: Kalam Verlag KG, 2016), vol. 4, p. 193-214.

33 يُنظر: الأحزاب 33: 40.

34 إذا كانت المطالبة الجذرية بالإصلاح تقوم على ضرورة تغيير ما هو قائم، فإنّ أيَّ تغيير، الذي يعني في جوهره تغيير التصوّر عن الدّين، لا بدّ أن يسبقَه تفسير لذلك الدّين. ولكن من أجل تفسير مجمل الدّين، لا بدّ أن يؤخد بالحُسبان وبشكل كاف كلّ تشعبات الدّين. إنَّ أيّ إرادة للإصلاح تستند إلى تصوّر معيّن، يكون هو نفسه قابلًا للإصلاح، إذا ما جرى أولًا إدراكه. هذا المسار لا يمكن ببساطة تطبيقه على مجمل الدّين، أيّ الدين كدين. ومن هذه النّاحية فإنّ طريق العلم والتحصيل العلمي للدّين هو موقف متنوع، لإنّه لا يقبل الأحكام الشمولية، وإنّما يستند إلى الاختصاصات المعنيّة ويسعى جاهدًا من خلال حوار فيما بينها من أجل معقولية التصوّرات والأفكار الدّينية.

35 يُنظر على سبيل المثال الآية 269 من سورة البقرة: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

36 يقول الغزالي: «من قلد أعمى، فلا خير في متابعة العميان وأتباعهم»، الغزالي، ميزان العمل، ص 30.

37 حول إعادة تأهيل أفكار التراث والمرجعية الدينيّة، يُنظر: Gadamer, p. 281-290.

38 البقرة 2: 135.

39 يُمكن مُقارنة: سفر التثنية 7: 11 مع إنجيل لوقا 5: 27 والعلق 96: 1.

40 حول التفسير الجمالي للقرآن يُنظر المراجع التالية:

Ahmad M. Karimi, “Versuch einer ästhetischen Hermeneutik des Koran”, in: Mouhanad Khorchide & Klaus von Stosch (eds.), Herausforderung an die islamische Theologie in Europa (Freiburg i.Br: Verlag Herder, 2012), p. 14-31; Ahmad M. Karimi, “Die Bedeutung der Koranrezitation. Zur inneren Verwobenheit von Ästhetik und Offenbarung im Islam”, Theologisch-praktische Quartalschrift, no. 164 (2016), p. 265-271.

41 cf. Homi K. Bhabha, The Location of Culture (London/ New York: Routledge, 1994), p. 37.

42 يُنظر على سبيل المثال: أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميّين واِختلاف المصلّين، تحقيق هلموت ريتر (فيزبادن: فرانز شتاينر، 1963)، ص 291؛ أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين (القاهرة: مطبعة مصطفى الباب الحلبي وأولاده، 1939)، المجلد 1، ص 113.

43 جلال الدين الرومي، كتاب فيه ما فيه، ص 127.

44 Immanuel Kant, “Beantwortung der Frage: Was ist Aufklärung?”, Berlinische Monatsschrift, no. 12 (1784), p. 481.

45 يقول الله تعالى في القرآن: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، الرعد 13: 28.

46 الفاتحة 1: 6.

47 Karl Marx, “Zur Kritik der Hegelschen Rechtsphilosophie. Einleitung”, in: Karl Marx & Friedrich Engels, Gesamtausgabe, (Berlin, [DDR]: Deitz, 1978), vol. 1, p. 378.

48 Karl Barth, Die kirchliche Dogmatik. Die kirchliche dogmatik. 1. Die lehre vom wort gottes. Prolegomena zur kirchlichen dogmatik. Zweiter halbband (Zollikon-Zürich: Evangelischen Verlag, 1938), p. 355.

49 يُنظر: البقرة 2: 177.

50 Friedrich Engels, Die Entwicklung des Sozialismus von der Utopie zur Wissenschaft. Gesammelte Werke, (Berlin: 1882), vol. 19, p.189.

51 كما هو معروف، قام موسى مِندِلسون، قبل إيمانويل كانط، بإبداء رأيه حول سؤال التنوير الذي أثاره القس البروتستانتي يوهان فريدرش تسولنر بشكل استفزازي، يُنظر:

Moses Mendelsohn, “Über die Frage: was heißt aufklären?”, Berlinische Monatsschrift, no. 4 (1784), p. 193-200;

يقول تسولنر: «ما هو التنوير؟ هذا السؤال الذي يكاد يكون بنفس أهمية سؤال: ما هي الحقيقة؟ ينبغي الإجابة عليه قبل الشروع بالتنوير. ومع ذلك لم أجد جوابًا عليه ولا في أي مكان!»، يُنظر:

Johann F. Zöllner, “Ist es rathsam, das Ehebündniß nicht ferner durch die Religion zu sanciren?”, Berlinische Monatsschrift, no. 2 (1783), p. 516;

وإلى جانب موسى مِندِلسون سوف يشقّ التنوير في السياق اليهودي (השכלה /هسكله) طريقه الخاص به من خلال مفكرين آخرين مثل دافيد فريدهاندلر وماركوس هِرتس. يُنظر في هذا الصدّد المراجع التالية:

Christoph Schulte, Die jüdische Aufklärung. Philosophie, Religion, Geschichte (München: Beck, 2002); Mordechai Graetz, Jüdische Aufklärung”, in: Mordechai Breuer & Michael Graetz (eds.), Deutsch-jüdische Geschichte in der Neuzeit. Band I, Tradition und Aufklärung : 1600-1780 (München : Beck, 2000), p. 251-351.

52 كما هو معروف كتب كانط عام 1793 ما يلي: «وإنّه فقط من أجل وجود كنسية ما، والتي يمكن أن يكون ثمة منها أشكال مختلفة جيدة على حد سواء، إنّما يمكن أن يكون ثمّة شيء مثل أحكام الشريعة (Statuten)، بمعنى أوامر ووصايا مأخوذة على أنّها إلهيّة، وهي في التحكيم الخلقي المحض تحكّميّة وعرضية. أمّا أن نأخذ هذه العقيدة القائمة على أحكام الشريعة، (التي هي منحصرة على كلّ حال في نطاق شعب ما، ولا يمكن أن تتضمّن الدين الكوني للعالم)، على أنّها أمر جوهريّ من أجل خدمة الله وعبادته بعامة، وأن نجعل منها الشرط الأعلى للفوز بالرضا الإلهي عن الإنسان، فهذا لا يعدو أن يكون وهمًا في الدين (Religionswahn) يكون اتّباعه ضربًا من العبادة الزائفة (Afterdienst)، بمعنى ذلك النوع من التقديس المزعوم لله، الذي هو معمول على نحو مضادّ تمامًا للعبادة التي فرضها علينا بنفسه»، يُنظر: إيمانويل كانط، الدين في حدود مجرّد العقل، ترجمة فتحي المسكيني (بيروت: جداول، 2012)، ص 265-266.

53 Immanuel Kant, “Was heißt: Sich im Denken orientieren?”, in: Abhandlungen nach 1781, AA. Bd. 8, Der Königlich Preußischen Akademie für Wissenschaften (ed.), (Berlin, 1904), p. 146.

54 يتبنّى برنهارد أودِه أطروحة تقول أنّ الإسلام باِعتباره دين العقل في حدّ ذاته يبدو تنويرًا (للمسيحية)، وهو بالتالي غير ملزم بتلبية المطلب القائل أنّ [الإسلام] يفتقر إلى تنوير، يُنظر:

Bernhard Uhde, “Islamischer Glaube versus christliche Kultur. Zur Kritik an der These vom Aufklärungsbedarf des Islam”, in: Thomas Böhm et al. (eds.), Glaube und Kultur: Begegnung zweier Welten?, (Freiburg i. Br.: Herder, 2009), p. 141-155.

55 “Aufklärung des Verstands macht zwar klüger, aber nicht besser”, Hegel, Werke, vol. 1, p. 21.

إنّ النقد الجدلي للدين من قبل التنويريين الفرنسيين بالأخصّ، لا يملك قدرة إقناع كافية، كما يقول هيجل بالتحديد في كتابه ظاهريات الرّوح، يُنظر: المرجع السابق، الجزء 3، ص 409؛ ويُنظر أيضا:

Jürgen Stolzenburg, “Hegels Kritik der Aufklärung. Zum Kapitel: ‘Der Kampf der Aufklärung mit dem Aberglauben’ in der Phänomenologie des Geistes”, in: Wolfram Hogrebe (ed.), Phänomen und Analyse. Grundbegriffe der Philosophie des 20. Jahrhunderts in Erinnerung an Hegels Phänomenologie des Geistes (Würzburg : Königshausen & Neumann, cop. 2008), p. 155-174.

56 إنّ الشكّ الصادر عن أدورنو و هوركهايمر حول ما إذا كانت البشرية قد نجحت بالفعل من خلال التنوير «بالدخول في حالة إنسانيّة حقيقية» هو شكّ مبرّر تمامًا. الجدل لا يدور هنا حول التنوير بشكل عام، ولكنّ النقد الموجّه ضد الأسلوب، الذي من خلاله جرى التعبير عن التنوير في تاريخ الفكر الأوروبي بشكل سلطوي على أساس أنّه «عقل صناعي» وتُوّج في وبال ظافر (triumphalen Unheil)، يُنظر:

Max Horkheimer & Theodor W. Adorno, “Dialektik der Aufklärung”, in: Theodor W. Adorno, Gesammelte Schriften, (Frankfurt a. M: Suhrkamp, 1997), vol. 3, p. 11.

57 Michel Foucault, Existenz und Ästhetik: Schriften zur Lebenskunst (Frankfurt a. M.: Suhrkamp, 2007), p. 183.

58 Immanuel Kant, “Beantwortung der Frage: Was ist Aufklärung?”, p. 482.

59 cf. Josef van Ess, “Disputationspraxis in der islamischen Theologie. Eine vorläufige Skizze”, Revue des études islamiques, no. 44 (1976), p. 23-60.

60 إلى جانب مبادئ ابن رشد التنويرية واِرتباطها بالعقل، التي نوقشت كثيرًا، يجري التذكير هنا برواية ابن طفيل الفلسفيّة، رسالة حي بن يقظان في أسرار الحكمة المشرقيّة، التي أظهر فيها كيف يمكن للإنسان (الذي جرى تصويره كشخص يعيش وحيدًا على جزيرة) معتمدًا على قدرته العقلية فقط وبدون أية مساعدات خارجية الانتقال من مراحل المعرفة البدائية للوصول إلى كمال معرفة الأشياء أو بمعنى أدق إلى أعلى مراتب المعرفة، يُنظر المراجع التالية:

Hayy ben Yaqdhân, Roman philosophique d’Ibn Thofaïl, Léon Gauthier (ed. & trans.) 2eme edition (Beirut: Imprimerie Catholique, 1936); Lawrence I. Conrad, The World of Ibn Ṭufayl: Interdisciplinary Perspectives on Ḥayy ibn Yaqẓān (Leiden : Brill, 1996).

61 يُنظر: أبو حامد الغزالي، مشكاة الأنوار في توحيد الجبار، تحقيق سميح دغيم (بيروت: دار الفكر اللبناني، 1994)، ص 59؛ هذا يعني، أنّ هذه الفكرة طُرحتْ قبل فريدريك شلايرماخر، التي يجري صياغتها في الرومانسية كما يلي: «إن الدين هو إحساس وتذوق اللّانهائي»، يُنظر:

Friedrich D. E. Schleiermacher, “Über die Religion. Reden an die Gebildeten unter ihren Verächtern (1799)”, in: Kritische Gesamtausgabe. 1:2 : Schriften aus der Berliner Zeit 1796-1799, Günter Meckenstock (ed.), (Berlin: De Gruyter, [1984]), p. 212.

62 يُنظر الآيات القرآنية التالية: الزمر 39: 10؛ الأحزاب 33: 21؛ التغابن 64: 3؛ الأعراف 7: 180؛ النساء 3: 134.

63 Friedrich Schiller, “Ueber die ästhetische Erziehung des Menschen in einer Reyhe von Briefen. [1. Teil; 1. bis 9. Brief.], zweiter Brief”, in: Die Horen, (Tübingen, 1795), vol. 1, p. 12.

64 يقول شيلر مصيبًا: «ليس كافيًا إذن، أن يستحق تنوير العقل التقدير فقط لإنّه يؤثر في الخُلق؛ فهو إلى حدّ ما ينبع من الخُلق نفسه، فالطريق إلى الرأس يُشقّ من القلب» يُنظر: المرجع نفسه، ص 41.

65 يُنظر: المرجع نفسه، ص 40.